لاشك أن بلدنا يمر هذه الأيام بمحن عصيبة وأزمات متلاحقة وغير مسبوقة في تاريخ الجمهورية حديثة النشأة. نمر بمرحلة يحس فيها الفقير أنه أصبح معدما وتحتضر فيها الطبقة الوسطى تحت سياط الغلاء الفاحش ، ويحس حتى بعض الميسورين أن عسرا بعد اليسر يلوح في الأفق. رغم كل الأزمات السياسية والإقتصادية المستفحلة فإن جنونا مطلقا يحكم تصرفات السلطة الحاكمة، التي لاتنبيء تصرفاتها هذه الأيام بشيء آخر غير الجنون. بدأت حفلة الجنون هذه بضرائب غير مسبوقة على المستثمرين المحليين والأجانب حتى أفلس بعضهم وفر البعض الآخر بجلده من جراء سياسة المكوس المجحفة التي فرضتها السلطة . مثال آخر على حفلة الجنون هذه هو سحق كل الأصوات المطالبة بخفض الأسعار مثل الحملة الشبابية " ماني شاري كازوال" التي قمع نشطائها بوحشية عبر سياسة الهراوة وتكسير العظام في مشاهد يندى لها الجبين وتؤكد الطبيعة الهمجية لهذا النظام وتلك السلطة. في خانة الجنون أيضا يمكننا إضافة إفقار مدينة انواذيبو العمالية والزيادة في معاناة أهلها، عبر تسريح آلاف العمال دون حقوق أو وجه حق وتدمير مساكن مواطنين آخرين لتعرض أرضهم بعد ذلك للبيع بثمن بخس فتشتريها العصابة نفسها التي باعت المدارس وعادت لتشتريها بمال الشعب. في سياق حفلة الجنون دائما تنتهك السلطة قانون الجمارك وتفرض على التجار البسطاء" وليس تجار العصابة طبعا" تخليص حاوياتهم من الموانيء في أجل أقصاه أسبوعان بدل ثلاثة أشهر وتلوح ببيع متاع المتأخرين عن هذا التاريخ ، وطبعا كما علمتنا التجارب فالمشتري معروف. استكمالا لجنون المرحلة تضيق السلطة الحاكمة على حرية الصحافة ويصول وزرائها الأشاوس في الشرق والغرب في حملات غير معلنة للتشويش على مهرجانات المعارضة، تأكيدا على أن جنونا مطلقا ملازم لكل تصرفات هذه السلطة التي تضرب عرض الحائط بكل دعوات الإصلاح وتتخذ كل يوم قرارات مجحفة بحق الوطن والمواطن. ورغم هذه الأزمات المتلاحقة وانخفاض أسعار المواد الأولية عالميا، والسقوط الحر للأوقية أمام العملات الأجنبية يصر رأس هذا النظام على الاستمرار ف نبرته الإستعلائية والتأكيد على أن البلد لايعاني أية أزمات وأنه بخير وأن الفقراء متخمون بأرز" أمل" الفاسد وزيته وطحينه المتعفن. سبع سنوات بالضبط تفصل بين زيارتين للجنرال ولد عبد العزيز " رئيس الفقراء!" لحيين هامشيين في العاصمة، الحي الساكن عام ٢٠٠٩والترحيل عام ٢٠١٦ ردد الجنرال في الزيارتين نفس الخطاب وتكاد مفردات الخطابين تتشابه ويجمع بينهما بعد جارف عن الحقيقة المرة التي يعيشهاسكان معظم المدن الموريتانية. الفارق الوحيد بين الخطابين أن الرئيس هذه المرة لم يتوعد الفساد والمفسدين كما فعل في خطاب الحي الساكن، ونحن نتفهم جيدا أن الحديث هذه الأيام عن محاربة الفساد يحتاج إلى " وجه من تنكرده" كما يقول المثل الدارج، لأن الفساد ظهر في البر والبحر وعن يمين الرئيس وعن يساره، وظهر من خلفه ومن فوقه ومن حيث يقف ويخطب ، لكن رغم كل هذا الفساد يناقش البرلمان اليوم قانونا جديدا لمحاربة الفساد تأكيدا على أن موريتانيا تمر هذه الأيام بمرحلة مجنونة.
بقلم عبد الله سيديا