فلسفة التفكير الإستراتيجي للدول الكبرى، تختلف جذرياً عن نظائرها من بلدان العالم الثالث، وكانت تلك الافكار مخفية عنا، وعلى مدى عقود من الزمن، حتى فهمناها، بعد السيطرة اللامحدودة على بلداننا، ومنها ما يحصل من ثنائية الأقطاب حالياً..
بريطانيا العظمى قبل أن يتراجع دورها، كانت تمتاز سياستها بأنها ذات نفس طويل في التعاملات السياسية، وطموحها كان السيطرة على جهات أوروبا الأربعة، لكن الحرب العالمية الثانية استنزفتها، وأنهت حلمها قبل أن يبدأ..
تلك الحرب نفسها شهدت بزوخ فجر الولايات المتحدة الأمريكية، لتتربع على عرش العالم أقتصادياً وعسكرياً، وتصدر مفهوم الحلم الأمريكي للعالم أجمع، فكانت سياستها تعتمد على أن تكون كل البلدان عبارة عن ثكنه عسكرية يقودها جنود العم سام.. متغافلين وغير مبالين بطموحات عملائهم في تلك الشعوب، التي تعاني الجوع وفقدان رغيف الخبز بسبب تلك السياسات..
كان حلم قادة العالم الجدد أن تشرق الشمس وتغرب على قواعدهم العسكرية، المنتشرة في العالم أجمع، لكن فلسفتهم بأن السلاح هو المسيطر، أثبتت فشلها منذ عقد من الزمن، لتطفوا على بحر الأقطاب فلسفة برغماتية أشتراكية، تؤمن بالتوسع الإقتصادي على حساب الكلارك والكلاشنكوف..
الصين من جانب أخر نظرتها مغايرة، وهدفها واحد محدد، وهو غزوا الأسواق ببضائعها، وعلى غفلة من جميع القوى العالمية، صار التنين يملك أضخم صاروخ باليستي عابر للقارات، ليثبت أنه الأقوى عسكرياً، وقبل أن تنتهي المفاجئة، علمنا أننا نعيش وسط كل شيء مستورد من بكين.. وصارت المرأة العجوز في أطراف أهوارنا ترتدي ثياباً صينية؟! والجينز القصير الذي ترتديه فتاة بيروت من نفس المنشأ صيني، أما البرقع والوشاح الخليجي فيعتمد على أبناء "ماو"..
أصيبت أوربا بالصدمة نتيجة توقف باخرة "ايفر كرين" في قناة السويس، هل نعلم لماذا؟ لأن أوروبا تستورد بمقدار 700 مليار دولار سنوياً من التنين الأحمر، والباخرات المتوقفة كانت متوجه لترسوا على سواحل القارة العجوز.
الصين علمت كيف هو السبيل إلى قلوب الشعوب المضطهدة.. رغيف الخبز، هاتف الهواوي وتحريك العجلة الإقتصادية في البلدان ذات النمو الإقتصادي، هو الحل الأمثل لتسيطر على الأوطان برضا سكانهم، وهذا ما جعلها محور توقيع إتفاقيات التعاون الإقتصادي مع خصوم أمريكا، وكانت إتفاقية بكين_طهران القشة التي قسمت ظهر أمريكا.. وجعلت بوصلة العالم وتوجهات الشعوب، نحو سفينة التنين الأحمر.
الدول التي ترغب بالتطور الحقيقي، وتفكر جدياً برخاء شعبها، عليها أن توفر لهم أقتصادا قويا فاعلا، لذلك لاحظنا أغلب دول المنطقة تتجه للتعاون المشترك مع أبناء العم ماو، وهذه التصرفات تحتاج إلى شجاعة وحنكه إدارية من قبل الحكومات.
هذا ما نفتقده منذ ثمانية عشر عاما، فمن يأتي لقيادة دفة الحكم، سرعان ما يغرق في موج الذل الأمريكي، ويترك باخرة العز الصيني تسري بعيداً، وهذا السبب الرئيسي في تدهور حال العراق، لكن مما لا شك فيه أن إنشغال بايدن وحكومته ومن سيأتي بعده، سيكون بالشأن الداخلي الأمريكي، وهو ما سيفتح المجال أمام حكومة بغداد، لأن تتجه إلى قطب التنين الأحمر، والدورة الإنتخابية القادمة، ستكون أولى خطوات الخروج من كنف الذل الأمريكي، لأنها سترسم عقداً سياسياً جديداً.
محمد جواد الميالي