نصب صور الخامنئي والخميني والمهندس في منطقة الاعظمية قبل ايام وسط بغداد، هو امتداد لتخريب قناة (دجلة) والهجوم على مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، والاعتداء على صالات التجميل وضرب عدد من النساء العاملات فيها، وتفجير عدد من محلات بيع الكحول، واخيرا الاستعراض العسكري التي قامت بها المليشيات قبل ثلاثة أسابيع في بغداد. وتخلل تلك الأعمال ضرب التواجد العسكري الأمريكي في مطار اربيل وقاعدة بلد ومطار بغداد والمنطقة الخضراء ووضع العبوات الناسفة في طريق قوافل قوات التحالف في المدن الجنوبية. وحتى تفجيرات بغداد التي استهدفت العمال والمحرومين في ساحة الطيران، تقف ورائها نفس الجماعات بشكل غير مباشر ضمن خطتها الاستراتيجية في نشر الفوضى الامنية كي تعيد إنتاج وجودها الميليشياتي.
انتفاضة أكتوبر وضعت الاسلام السياسي الشيعي في وضع لا يحسد عليه، فلقد اغلقت الطريق بشكل نهائي على الهوية الطائفية بل ومزقتها، وفي نفس الوقت اماطت اللثام عن فحوى هذه الجماعات المليشياتية المؤتلفة اليوم في قائمة فتح في البرلمان، وبددت الأوهام التي كانت تنثرها حول اهازيجهم بالانتصار على داعش، وهي تعيش اليوم احلك ايامها. وبغض النظر عن ان الكاظمي هو أسوأ من اسلافه بل والاكثر كذبا ونفاقا، وطفلا مطيعا للمؤسسات المالية الامريكية التي فرضت سياسة الافقار على الجماهير من خلال موازنته سيئة الصيت، إلا أنه يعتبر السم الذي تجرعته هذه الجماعات عندما وافقت على مضض تبوئه؛ اي الكاظمي رئاسة الوزراء. وأن شدة معاناة هذه الجماعات اليوم سببه الكاظمي الذي يمثل التيار القومي بشقيه العروبي والمحلي.
وعبثا حاولت هذه الجماعات من اصدار بدل تالف لهويتها وهي الهوية الطائفية التي كانت اسواقها رائجة ليس في العراق فحسب بل على صعيد المنطقة برمتها، وبسبب العوامل المذكور، وَرَطَتْ هذه الجماعات باختيارها لهوية “المقاومة والممانعة” التي هي الاخرى لم تسعفها ولم تنقذ ما آلت إليه أوضاعهم. واكثر من ذلك دٌفٍعً العراق الى حضن التيار القومي العروبي الذي يسمونه محيطه العربي بأموال سعودية-اماراتية، وسياسية بمبادرات اردنية-مصرية، وبمباركة اسرائيل-أمريكا. وبدأت هذه الجماعات تتخبط وتعاني من مأزق الهوية، وخاصة ان انتخابات شهر تشرين الاول القادم ستقوض من مكانتها السياسية في البرلمان وتحاصر امتيازاتها ونفوذها، هذا ما يدفعها الى العودة الى الهوية الطائفية عبثا عبر نصب صور رموزها الخامنئي والخميني والسليماني في قلعة التيار القومي العروبي وهي الاعظمية، وعلى جدران جامع اب حنيفة رمز الطائفية السنية التي كان يقتدى به القاعدة وجيش عمر وابي بكر خلال هبوب السموم الطائفية في ٢٠٠٦-٢٠٠٨.
ان تخبط هذه الجماعات بين محور الطائفية ومحور المقاومة هو تعبير عن الازمة السياسية التي تعانيها جماعات الاسلام السياسي الشيعي في العراق، أزمتها البنيوية، ازمتها الفكرية، وازمة سلطتها السياسية، في حين ان الاسلام السياسي السني وداعميه عاد ادراجه للعودة الى “الوطن” حضن الام، وهو التيار القومي العروبي، وها هي السعودية ترفع شعار الهوية العروبية وكل يوم تسدد ضربة للمؤسسات الدينية وتحجم من مكانة هيئات على سبيل المثال وليس الحصر، هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، والامارات تنادي بالعلمانية، وفي نفس الوقت العسكر في السودان يوافقون على الهوية العلمانية لدولتهم، والاخوان المسلمون يحلون تنظيمهم ويغيرون الاسم في ليبيا الى جمعية الاحسان والتجديد، وتركيا حزب العدالة والتنمية تسدل الستار على مشروعها العثماني، مشروع الاسلام السني الذي يحاول احيائه جماعات الإخوان المسلمين. وعلى قدم وساق، فالجميع يعقدون صفقات السلام او التطبيع مع دولة إسرائيل.
واذا ما استطاع الاسلام السياسي السني ان يعبر مأزق هويته عبر العودة الى الهوية القومية، بنفس القدر فإن مأزق هوية الإسلام السياسي الشيعي في العراق هو مأزق هوية الام، هوية الجمهورية الاسلامية في ايران ، وهي وراء هذا التخبط والضياع، وينعكس بشكل مباشر على ادواتها وحلفائها في العراق.
ولذلك فكما ذكرنا في مقال كتبناه خصيصا الى صحيفة الحزب الشيوعي العمالي الكردستاني (الساحة العراقية بين المطرقة الايرانية والسندان الأمريكي) ” ان احتمالية تفجير الاوضاع الامنية، او على الاقل اشاعة نوع من الفوضى من الاحتمالات القائمة، ولكن ليس حتمية، بيد أنه علينا كشيوعين و اشتراكيين وتحرريين ان نضع هذه الاحتمالية صوب اعيننا، وعلينا تحذير الجماهير عدم الانجرار في هذه الصراعات الرجعية، وفي نفس الوقت العمل تنظيم صفوفنا في المحلات والمناطق بعدم السماح بأن تتحول الى ساحة لتصفية الحسابات السياسية وتشكيل لجان لحماية الاهالي وتحت شعار : أخرجوا مليشياتكم من مناطقنا، لا مكان لمقرات الميليشيات في اماكن عيشنا وسكننا، لن ندع مليشياتكم أن تحول مناطق عيشنا وعملنا إلى ساحات للحرب ومعارككم الرجعية”.
سمير عادل