الصراع بين تأسيس دولة الحشد الشعبي في العراق على غرار دولة الحرس الثوري في إيران مع تأسيس دولة حكومة الكاظمي تعرف هويتها عبر ما يسمى المحيط العربي، يشتد كل يوم وتلقي بضلالها الامني والسياسي على المجتمع، ودون وجود أية مقومات لحسم هذا الصراع لصالح اي طرف منهما على الأقل في المدى المنظور.
وما يسوق اعلاميا بأن هذا الصراع بسبب اجراء الانتخابات او محاولات لعرقلتها، ليس الغرض منه الا التضليل السياسي واخفاء ماهية الصراع القائم على اقتطاف ثمرة آلة الدولة بجميع فروعها العسكرية والامنية والقضائية التي دمرت منذ الاحتلال، وفشلت جميع التيارات البرجوازية الاسلامية والقومية من إعادة تأسيسها، بالرغم من إنفاق المليارات المسروقة من الدولارات على تلك الآلة من عرق عمال وكادحي ومحرومي العراق ومن جيوبهم وثرواتهم. وحاول الإسلام السياسي استغلال سيناريو داعش لتعزيز ميليشياته التي كانت موجودة أصلا قبل دولة الخلافة الاسلامية، وسماه الحشد الشعبي، لبسط نفوذه وتأسيس دولته واضفاء الهوية الاسلامية عليها متطابقة ومواليه وتابعة لولاية الفقيه والجمهورية الاسلامية في ايران، عبر انتزاع الشرعية القانونية لوجودها في خضم تعالي صخب الحرب على داعش وتحسين وتقوية ماكنتها العسكرية، وعبر التطهير الطائفي والديموغرافي للعديد من المناطق الغربية واخيرا تزويره للانتخابات ايار ٢٠١٨ بفتح صناديقها وملئها وغلقها وبعد إعلان النتائج لصالحها تم احراقها. نقول كل تلك المساعي لتأسيس دولة الحشد الشعبي التي سميت قائمتها السياسية بالفتح فشلت على اثر ضربات انتفاضة اكتوبر.
الكل يتشدق ويزعق ويصيح الحفاظ على “هيبة الدولة”، الكاظمي يغض الطرف عن جرائم تهديد واختطاف واغتيالات سرايا السلام والقبعات الزرق للمتظاهرين بوضح النهار وامام القوات الامنية الرسمية والجماهير، ولا يحرك ساكنا ولا يعتبر تلك العصابات من المليشيات ولا سلاحها من الاسلحة المنفلتة، لانه ببساط مقتدى الصدر والكاظمي في خندق واحد. و الحق يقال ان الاغتيالات التي تقوم بها مليشيات الحشد الشعبي هي غير علنية وتجري بشكل سري وتنفي دائما انها ورائها. و عندما يستعرض الصدر ميليشياته في شوارع بغداد وبعض المدن تحت ذريعة الاستعداد للحيلولة دون تفجير العتبات المقدسة، يلتزم الكاظمي بالصمت المؤدب، في حين عندما تستعرض مليشيات الحشد الشعبي قوتها، يتحدث لنا الكاظمي عن ضرورة احترام هيبة الدولة وانها اي تطويق المنطقة الخضراء من قبل تلك المليشيات مخالفة للدستور.
المحاولات الحثيثة لمليشيات الحشد الشعبي بالحفاظ على مكانتها وموقعها وامتيازاتها السياسية والمالية والمضي في تأسيس دولتها باتت تصطدم بعدة عوامل، اقليمية ومحلية وهي في وضع لا يحسد عليها، وهذا هو سر تظاهراته المسلحة التي تعبر عن تحريك آخر أوراقها. فعلى الصعيد الإقليمي، المحور أو التحالف الذي هي جزء منه، وبعيد عن دق طبول انتصاراته في حرب غزة الاخيرة، فأن اسرائيل سجلت انتصارا سياسيا بنفس مقدار انتصار حماس على الساحة الفلسطينية، اذ استطاعت ان تقوي حلفها السياسي وحتى العسكري مع الامارات والسعودية في مواجهة إيران وفرض إرادتها على الادارة الامريكية بان لا تذهب الى اي اتفاق في الملف النووي الايراني دون موافقتها، وهذا ما جاء على لسان بلينكن وزير الخارجية الأمريكي في تصريحه أثناء زيارته الى المنطقة، بأن ادارة بايدن لن تمض في اتفاق نووي مع إيران دون التشاور مع دولة اسرائيل ، وأكثر من ذلك فإن كل أعضاء ذلك المحور لم يستطع ان يحرك ساكنا في دعم حماس سوى الجعجعة الإعلامية بدءً من الحرس الثوري الإيراني ومرورا بحزب الله اللبناني والحوثي اليمني وانتهاءً بالحشد الشعبي العراقي. بعبارة اخرى ان ايران التي تعاني من ازمة اقتصادية وعزلة سياسية دولية هي اضعف من كل المراحل التي مرت بها. وحتى على الصعيد الداخلي فأن الطبقة الحاكمة المتمثلة بالحرس الثوري- مرشد الاعلى تمضي في حسم أمرها ووضع حدا لأسطورة التي هي اقرب الى اكذوبة التيار المعتدل عبر إبعاد جميع المنافسين لإبراهيم رئيسي المعروف بجلاد الخميني المرشح لرئاسة الجمهورية، عراب سجل الإعدامات والتصفيات بحق المعارضين السياسيين، والذي يعني هناك خطوات بالقضاء على التشرذم السياسي داخل الطبقة الحاكمة في ايران استعدادا لمواجهة ازمتها الاقتصادية والاحتجاجات الجماهيرية والتطورات السياسية الاقليمية الدولية التي تؤشر لغير صالحها. اما على الصعيد المحلي، فإن مليشيات الحشد الشعبي تتخبط بايجاد الهوية السياسية لاستمرارها، وقد فشلت بتنبي هوية المقاومة والممانعة بعد عاصفة انتفاضة اكتوبر، وكما فشلت صواريخها التي أطلقتها على تواجد العسكري الأمريكي بتثبيت تلك الهوية، وليس هذا فحسب بل ان انسحاب مليشيات المرجعية الشيعية في النجف، مرجعية السيستاني قبل أشهر هو الاخر، قد سددت ضربة سياسية موجعة إليها وتركت ظهرها مكشوفا. وعليه وليس امام هذه المليشيات الا طريقين: خلق الفوضى الامنية عبر الاستعراضات التي تقوم بها ولا يحمد عقباه للحفاظ على الاقل ان يكون كما في النموذج اللبناني بعد أن فشلت في بناء مشروعها كالنموذج الايراني، او الذهاب الى حرب اهلية مرغمة عليها سواء بضغط زرها من قم- طهران أو عبر توريطها. والطريق الاخير أي الحرب الاهلية التي تكون واحدة من الاحتمالات المطروحة ولكن ليس الحتمية لأنها تدرك من تحسمها هي الماكنة العسكرية الامريكية. وقد عبر عنها تصريحات كينيث ماكنزي القائد العام للقيادة المركزية الامريكية في البنتاغون عندما قال بعيد القصف الاخير لقاعدة بلد أن طريق الاستقرار والأمن في العراق يكون عبر الدم او لا يكون خاليا من الدم.
أما دولة حكومة الكاظمي كانت تنتظر تظاهرات ٢٥ ايار لتوجيه ضربة جديدة للحشد الشعبي بعد اعتقالها لحامد الجزائري وعلي الياسري وهما من عتاة المجرمين في الحشد الشعبي والمنتمين لمليشيا سرايا الخراساني، وتوجت هذه المرة باعتقال قاسم مصلح احد قادة الحشد الشعبي المتهم بقتل المتظاهرين. فمن جهة يستند الكاظمي وحكومته على التظاهرات ويحتمي بها في مواجهة المليشيات، ومن جهة اخرى هي محاولة في ذر الرماد في العيون. فحكومة الكاظمي لم تقدم حتى الآن على القبض أي قاتل من قتلة المتظاهرين والمتورطين بجرائم الاغتيالات لا من الحشد الشعبي او جماعة الصدر الى المحاكمة العلنية، في الوقت عينه قامت قواته بهجمة وحشية على التظاهرات وقتلت اثنين من المشاركين فيها اضافة الى جرح العشرات.
ليس أمام الجماهير الا خيارين لا ثالث لهما، الأول هو استمرار هذه الفوضى واستعراض المليشيات وعمليات الاختطاف والاغتيالات والقتل، او توحيد الصفوف حول برنامج محدد يرد على هذه الاوضاع الامنية ويتقدمه حل الميليشيات بما فيها الحشد الشعبي دون اي قيد او شرط ومحاكمة قتلة المتظاهرين والمسؤولين عن عمليات الاغتيالات والاختطافات. أن تنظيم هذا الصف وتوحيده وبعيدا عن مهزلة مسرحية الانتخابات التي لن تعني أكثر من ترحيل الازمة السياسية لاتقان ادارتها وليس لحلها، هو الطريق نحو الأمن والأمان والذي اقل تكلفة بالأرواح والخسائر البشرية.
سمير عادل