ما زلنا لم نقتنع أن الإنتخابات العراقية المبكرة بستة أشهر عن موعدها الرسمي، ستجري في التاريخ الذي أعلنت عنه مفوضية الانتخابات العراقية.. فبالرغم من إتفاق الكتل السياسية والرئاسات الأربعة على إقامتها مطلع تشرين القادم، فالموعد يمكن أن يتغير في أي لحظة، إذا اراد صاحب القرار ذلك والأعذار جاهزة.
لكن على ما يبدو أن الأمور ذاهبة بإتجاه إجرائها، رغم عدم توفر الأجواء والظروف الأمنية المناسبة، مما سيولد حالة عدم التوازن والفرص غير المتكافئة، بين الكيانات السياسية والمرشحين، في طرح البرامج الانتخابية والتواصل مع جمهور الناخبين، وبالتالي سيكون له تأثير كبير في نتائج الإنتخابات، وشكل الكتل السياسية التي ستتولى دفة القرار وتشكل الحكومة القادمة.
قبل بدء الدعاية الإنتخابية، ظهر على الساحة السياسية خطان متضادان، يبدو أنهما سيكونان الأبرز في المرحلة القادمة، أحدهما يدعو الى بناء دولة ذات مؤسسات دستورية وقانونية، تمتلك القدرة على إدارة البلاد، بعيدا عن التجاذبات السياسية، والتدخلات الحزبية التي أرهقت الدولة، وساهمت في نخر جسدها وجعلتها مصابة بسرطان المحسوبية والإنتهازية، وكانت سببا في إنهيار النظام الاداري، وإستشراء الفساد والفشل.
هذا الطرف يحاول ترسيخ مفهوم الدولة، وأنها السبيل لتنظيم الحياة الإجتماعية والسياسية، وركيزة ذلك هو تطبيق القانون على الجميع، دون تمايز بين أفراد المجتمع، وأن لا سلطة تعلو على سلطة القانون العادل، الذي يضمن حقوق الجميع، بعيدا عن التأثيرات الحزبية والفئوية، وبعيدا عن سطوة السلاح المنفلت الذي يهدد أرواح الجميع، ويفرض سطوته على شرائح المجتمع أفرادا ومؤسسات.
فيما يعاني الطرف الثاني من إزدواجية كبيرة في طرحه بين مفهوم الدولة واللادولة، فهو يريد دولة على مزاجه تحكمها شخصيات معينة، حسب مفاهيمها الحزبية والمناطقية والعشائرية، ويشرعن لنفسه إرتباطاتها الداخلية والخارجية حسب مصالحه، وعلاقاته مع هذا الطرف أو ذاك، حتى وصل الى حالة من الإلتباس بأنه يعتقد أن بناء الدولة يعتمد كيانات اللادولة.. وأن وجود الدولة يعتمد على رجالات اللادولة؟!
الواضح أن هذا الخلط بين هذا المفهومين، يحاول أن يستخدمه البعض لصالحه، من أجل تغييب الأركان الاساسية التي تقوم عليها أي دولة، فهو دولة عند التجاوز عليه أو مزاحمته في موضوع معين، وهو لا دولة عندما يفرض سطوته على الآخرين، ويمارس سياسة كسر العظم ضد خصومه، ويتصرف خارج الدستور والقانون، ثم يعود ليحتمي بالدولة، وبالتالي بإمكانه بناء أمبراطوريات داخل جسد الدولة، لكنها أقوى من الدولة.
ما يحتاجه الناخب العراقي في المرحلة القادمة هو الفرز بين المفهومين، والتفكير بعيدا عن المحسوبية والمصالح الشخصية، واتخاذ القرار مع من يريد أن يقف، بعد أن بدأت تتضح المشاريع السياسية لمعظم الكتل الإنتخابية، وبات يظهر جليا صراع الاضداد في المشهد السياسي العراقي.
ثامر الحجامي