
(خاص...وكالة العرب)بعد أن قرر قاضي التحقيق بقطب محاربة الفساد في محكمة محافظة العاصمة الموريتانية نواكشوط قبل نحو ثلاثة أسابيع من ألآن حبس الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على خلفية ملاحقته في قضايا فساد، فاجأ المراقبين للمشهد السياسي المحلي خفوت صخب المناصرين للرجل الذي حكم البلاد لأكثر من عشر سنوات ملأ فيهم الدنيا وشغل الناس.
قرار قضائي محض
عشية إحالة الرجل للسجن أفاد مصدر قضائي بأن قرار القاضي بسجنه جاء ردا على امتناعه عن التوقيع مرتين متتاليتين لدى الشرطة تطبيقا لقرار قضاة التحقيق بوضعه تحت المراقبة القضائية المشددة وإلزامه بالتوقيع 3 مرات في الأسبوع.
وكان القضاء وجه إلى الرئيس السابق تهم الفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع وسوء التصرف في وظيفة والإضرار بمصالح الدولة، وذلك على خلفية تقرير للجنة تحقيق برلمانية قالت إنها كشفت تجاوزات وسوء تسيير وفسادا في إدارة مشاريع وصفقات عمومية طوال فترة حكم الرئيس السابق للبلاد من 2009 إلى 2019.
فيما قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المختار ولد داهي إن إحالة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى السجن لا علاقة للحكومة بها، مؤكدا ان الأمر يتعلق بالقضاء، وأكد ولد داهي - خلال مؤتمر صحفي حينها - أن الأمر يتعلق بتحقيق برلماني في شبهات فساد، تبعه تحقيق قضائي، قبل أن يأمر قطب التحقيق في الجرائم الاقتصادية والمالية بإيداع المعني في السجن، مضيفا أن النظام الحالي يهدف لتكريس دولة القانون عبر سياسة فصل السلطات.
إرث سياسي على المحك
يحاول الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيزعدم الاستسلام أمام حقيقة أن طموحه السياسي اليوم بات في خط، بسبب اتهامه من قبل القضاء في بلاده بتهم خطيرة منها عرقلة سير العدالة، والإثراء غير المشروع، حسث إنه عشية تسليمه السلطة لخليفته الرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني قبل نحو عامين من اليوم لم يكن أشد معارضيه تشاؤما يعتقد أنه سيلك هذ المسار الذي أفضى به من رئيس سابق حافظ على زخم سياسي في تعاطيه مع التحديات التي واجهت حكمه، إلى متهم يمضي جل وقته في السجن، والحديث مع المحامين، وتوزيع الاتهامات تجاه نظام صديقه المقرب.
برأي محللين فإن أسبابا كثيرة أدت إلى هذه الوضعية، في صدارتها رفض تقبل ولد عبد العزيز واقع أنه أصبح رئيسا سابقا، ومن هنا فإن عودته من سفره الخارجي الذي بدأه عشية تسليمه لشؤون الحكم أبانت عن نية طافحة في لعب دور رجل الظل في الوضع الجديد.
هذه النية التي ترجمها حينذاك اجتماعه بقيادة الحزب الحاكم الذي مهد لما عرف لاحقا بأزمة المرجعية يومها كانت برأي مراقبين خطأ تكتيكيا ساذجا أوصل رجل العشرية الماضية القوي إلى مواجهة أتعاب حفر أغلب حفرها بنفسه حسب هؤلاء المراقبين.
نبرة ولد عبد العزيز الرافضة للاستسلام حتى الساعة، هي تكتيك اتبعه فور تيقنه من إصرار القضاء على محاسبته على التهم التي وجهت إليه، ومع كل فرصة للظهور إعلاميا يحاول الرجل تصوير أزمته مع القضاء على أنها تصفية سياسية.
نقطة الضعف في هذ التكتيك برأي متابعين هي أن مبتدأ أزمته مع خليفته بدأت عندما حاول هو الهيمنة على الذراع السياسية للنظام ممثلة في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم قبل أكثر من عام، ومن هنا فإن اتهام السلطات بالتسييس في مضايقته سيظل اتهاما مزدوجا برأي هؤلاء المتابعين.
الطموح السياسي، والرغبة في خطف الأضواء على الدوام حجبا خلال الظهور الاعلامي المتكرر للرئيس السابق إجابة كان من الممكن أن تحفظ لولد عبد العزيز بعض مصداقيته، يتعلق الأمر هنا بعدم كشفه عن مصدر أمواله، إذ تتهمه السلطات القضائية بالتربح، والإثراء غير المشروع إبان حكمه.
من الناحية الواقعية يتطلب النجاح سياسيا في موريتانيا أحد أمرين إما دعما من مؤسسة الحكم، وهي ورقة أضاعها الرئيس السابق حين حاول بعد عودته من تركيا ممارسة مأمورية ثالثة بأدوات غيره، والثاني دعم سياسي من أحزاب قوية، أو قوى مجتمعية متنفذة، وهو حلم يبدو بعيد المنال بالنظر إلى الطريقة التي أدار بها شؤون حكمه، والتي تميزت بثورة على المفاهيم القيمية، والتابوهات الاجتماعية سالكا طريقه نحو (موريتانيا الجديدة) التي اهتز فيها كل شيئ حتى تماسكها الأهلي، وإن كان يشفع للرجل بعض المنجز في ميدان البنى التحتية، وتخطيط أحياء الصفيح في كبريات المدن الموريتانية بما فيها العاصمة نواكشوط.
حسابيا يبدو حظ ولد عبد العزيز في استعادة الألق السياسي في الساحة الموريتانية، أمرا متعذر الحصول على الأقل في الظرفية الراهنة، خاصة وأن صديقه المقرب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني استطاع خلق مستوى مقبولا من الإجماع الداخلي حول الطريقة التي سيرت بها حكومته شؤون البلاد حتى الآن، كما أن الأمن في الساحل، ورضا القوى الدولية عن المقاربة الموريتانية في هذ الصدد وفرا للحكم الحالي نقاط قوة إضافية، فضلا عن أن ملف الغاز، وتحسن مستوى الشراكة مع الجارة السنغال بخصوص تسييره ولدا قبولا إقليميا للوضع السياسي الداخلي، رغم أن محللين رأوا في الحفاوة الإعلامية من وسائط الإعلام القريبة من الخارجية الفرنسية (افرانس 24، إذاعة فرنسا الدولية) بتصريحات ولد عبد العزيز المتجددة مؤشرا على احتفاظ الأخير بمساحة من القبول عند بعض القوى المؤثرة في باريس.

