منذ مدة وأنا في حالة نفور من الكتابة، وهذه الحالة تنتابني بين حين وآخر، و هي أشبه باستراحة الجندي في الحرب، فالكتابة هي حرب، على حد قول فولتير. وما حفزني على كتابة هذا المقال هو خبر بعنوان: (تقرير امريكي يدعو للاستعداد إلى انهيار السعودية)، كشف أن السعودية لا تمثل دولة، بل هي شركة تستخدم نموذج عمل ذكي غير قابل للاستمرار، وهي منظمة فاسدة تشبه المنظمات الاجرامية ولن تستمر طويلا وستنهار قريبا. وأن “حكام آل سعود يمثلون شركة تجارية عائلية والملك سلمان مجرد رئيس تنفيذي لها، وهو يستخدم النفط لشراء الولاء السياسي داخل وخارج المملكة السعودية”.
لقد بات واضحاً لدى القاصي والداني، أن السعودية وعقيدتها الوهابية التكفيرية، هي السبب الرئيسي لعدم استقرار المنطقة، ونشر التطرف الديني والإرهاب التكفيري في العالم.
ويمكن تشبيه دور السعودية في عدم استقرار دول المنطقة بدور النظام العنصري في جنوب أفريقيا، في ضرب الدول الأفريقية ومنعها من التقدم والاستقرار أيام حكم الأبرتايد. لذلك نعتقد أن الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط هي الأخرى لا يمكن أن تستقر وتزدهر إلا بزوال الأسرة المافيوية السعودية الحاكمة، وتجريم وتحريم العقيدة الوهابية التكفيرية بقرار أممي، وبفتاوى من جميع رجال الدين المسلمين وخاصة من أهل السنة.
أسباب استمرار العائلة السعودية في الحكم
قد يستغرب المرء، كيف استطاعت هذه العائلة الاستمرار في الحكم لما يقارب القرن، رغم جرائمها الشنيعة باستملاكها للبلاد، واستعبادها للشعب، وقيامها بنشر التطرف الديني التكفيري ودعم الإرهاب في العالم؟
هناك عدة عوامل:
أولاً: التحالف بين العائلة الحاكمة (آل سعود) وآل الشيخ (نسبة إلى أبناء وأحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مؤسس المذهب الوهابي التكفيري في القرن الثامن عشر الميلادي). وهذا الحلف يقضي بأن تكون السلطة السياسية بيد آل سعود، والسلطة الدينية والثقافية والتوجيه المعنوي والثقافي بيد آل الشيخ، مقابل تكفير كل من يخرج على طاعة السلطان السعودي.
ثانياً، التحالف الذي عقده الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، في أوائل القرن العشرين، مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس روزفلت، والمملكة المتحدة البريطانية في عهد رئيس الوزراء تشرتشل، و من بنوده، أن تستمر المملكة السعودية بالولاء المطلق لهاتين الدولتين، مقابل حمايتهما لها. في الحقيقة لولا الدعم البريطاني لعبد العزيز لما تأسست المملكة السعودية. وقد أوصى الملك عبدالعزيز أبناءه بالالتزام الصارم بمبدأ الولاء المطلق لأمريكا وبريطانيا إذا ما أرادوا الاستمرار في الحكم.
وثالثاً، الثروة النفطية الهائلة التي ساعدت العائلة الحاكمة على إسكات المعارضة عن طريق القمع، وشراء الولاءات والذمم، ووسائل الإعلام وحتى الحكومات، غرباً وشرقاً.
رابعاً، والأهم، اعتمدت المملكة على إثارة النعرات الطائفية، وخاصة منذ الثورة الإسلامية في إيران، واستخدام مشايخ الوهابية التكفيريين لتكفير الشيعة وتشويه صورتهم، وتخويف غالبية الشعب السعودي من السنة بالبعبع الشيعي والإيراني، وأبلسة الشيعة وإيران لتبرير إبادتهم.
هل حقاً السعودية على وشك الانهيار؟
إن ما تقوم به السعودية من شرور ليس جديداً، إذ بدأت مع تأسيس المملكة قبل ثمانية عقود، وقائمة جرائمها طويلة أشرنا إليها في مقالات سابقة، ولكن منذ تسنم الملك سلمان الخرف، وابنه الشاب المتهور الأمير محمد، السلطة المطلقة، تصاعدت شراسة المملكة في شن الحروب المباشرة، مثل حربها على اليمن، وتدخلها العسكري في البحرين ضد انتفاضة الشعب البحريني قبل سنوات (في عهد الملك عبدالله) وغير المباشرة (الحروب بالوكالة)، عن طريق تشكيل المنظمات الإرهابية الدينية وشحنها بالعقيدة الوهابية التكفيرية، لشن الإرهاب على دول المنطقة مثل تدخلها السافر في العراق وسوريا وليبيا، وتدمير بناها التحتية، و قتل مئات الألوف من أبنائها، وتشريد الملايين من شعوبها في الشتات، إلى أن وصلت شرور الإرهاب الوهابي إلى الدول الغربية، فتوصلت الحكومات الغربية إلى قناعة أن السعودية هي وراء التطرف الديني والإرهاب الوهابي، ليس في دول المنطقة فحسب، بل وحتى دعم التطرف و الإرهاب في الدول الغربية. راجع مقالنا (هل اقتربت نهاية آل سعود؟).
لذلك بدأت الحكومات الغربية وخاصة أمريكا وبريطانيا، وبضغوط من شعوبها، وتأثير عدد غير قليل من الكتاب والإعلاميين الغربيين من ذوي الضمائر الحية، ومنظمات حقوق الإنسان، بدأت هذه الحكومات تشعر بالخطر السعودي الوهابي. وهناك مؤشرات عديدة تدل على سخط هذه الدول، وخاصة أمريكا وبريطانيا، على النظام السعودي، وتخليها عنه، وربما المساهمة في تعجيل إنهياره، ومن هذه المؤشرات ما يلي:
1- الإتفاق الأمريكي- الروسي على إنهاء الحرب الإرهابية في سوريا، مع إبقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم. وهذا القرار هو ضد المخطط السعودي القاضي بالتخلص من الأسد وبأي ثمن كان.
2- تبني اعضاء الكونغرس الأمريكي مشروع قرار مقاضاة السعودية بسبب اشتراكها في احداث 11 سبتمبر حيث كان معظم الإرهابيين من السعودية. كذلك توصلت أمريكا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في الطاقة، وتوافر الطاقة البديلة واستغنائها عن النفط السعودي وغير السعودي، وحتى إمكانية قيام أمريكا بتصدير النفط.
3- الدعم الأمريكي الجدي للعراق لدحر الإرهاب المدعوم من السعودية وقطر وتركيا.
4- التقارب الإيراني – الأمريكي في اتفاق البرنامج النووي، ورفع الحصار الاقتصادي عن إيران، الأمر الذي أثار جنون السعودية.
5- التقارب التركي- الروسي وتحالفهما في محاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية.
6- التقارب التركي- السوري، وتعاونهما في دحر الإرهاب الإسلامي في سوريا، وهذا هو الآخر دليل على عزلة السعودية وتخلي أصدقائها عنها.
7- مؤتمر أهل السنة في غروزني، في شهر آب/أغسطس الماضي، إذ كما جاء في تقرير صحيفة (رأي اليوم)، إن “مؤتمر غروزني خطوة كبرى لسحب المرجعية السنيّة من السعودية وزيادة عزلتها في العالم الاسلامي وتثبيت تهمة الارهاب بالفكر الوهابي.. ومشاركة الازهر تؤكد الازمة المتفاقمة بين الرياض والقاهرة.. وتحالف بوتين-السيسي اخطر من ان يتم الرد عليه بالردح والشتائم”.
والجدير بالذكر، أن المشاركة المصرية بأكبر وفد برئاسة شيخ الأزهر (أحمد الطيب) دليل قاطع على التقارب المصري- السوري- الروسي ضد السعودية. وهذا المؤتمر و ببيانه الختامي الذي كان على الضد تماماً من أهداف السعودية، لدليل على مباركة الدول الغربية أيضاً لعقد مثل هذا المؤتمر دون مشاركة وفد من السعودية، أو حتى مفتي الإرهاب يوسف القرضاوي.
فلأول مرة في التاريخ ” تتلقى المملكة العربية السعودية الضربات السياسية والعسكرية التي تستهدفها هذه الايام، سواء في سورية، او اليمن، او العراق، او ليبيا، او ايران، ولكن ان تأتي آخرها، من غروزني روسيا ومصر بالذات، وتشكك في قيادتها للاسلام السني، وتخرج مذهبها الوهابي الذي تعتنقه من معسكر اهل السنة والجماعة، فهذا امر خطير جدا في ابعاده ومعانيه وتوقيته”(3).
إن مؤتمر غرونزي دفع مشايخ الوهابية إلى أن يصدر بيان إدانة للمؤتمر، و الإعلام السعودي إلى شن حملة من الشتائم الرخيصة ضده.
7- لأول مرة تعاني السعودية من عجز مالي في موازنتها يقدر بـ 88 مليار دولار لهذا العام، وذلك بسبب تبديدها لمئات المليارات على نشر التطرف الديني، والمنظمات الإرهابية، والحروب المباشرة وغير المباشرة.
قد يبدو للبعض أن انهيار السعودية مستحيل، ولكن من يطالع التاريخ، وخاصة الحديث منه، يعرف أن التاريخ حافل بالمفاجئات التي لم يتصورها العقل. وعلى سبيل المثل لا الحصر، من كان يتصور تفكك الاتحاد السوفيتي، وانهيار المعسكر الاشتراكي؟
لذلك، وبناءً على كل ما تقدم، نعتقد أن إنهيار السعودية ممكن، بل ويحث الخطى نحو الهاوية. وقد لا يحدث في القريب العاجل، ولكن على المدى المتوسط فانهيارها متوقع، خاصة وقد استنفد دورها في خدمة أمريكا، المعروف عنها أنها تتخلى عن عملائها عندما ينتهي دورهم، ويصبحوا عبئاً عليها كما حصل مع شاه إيران، وصدام حسين ونوريغا وغيرهم.
بقلم: د. عبدالخالق حسين