الرهان على ذاكرة السمكة
قد يكون هذا آخر مقال نكتبه حول ما سميت بـ “ الانتخابات المبكرة”، و التي في الحقيقة تفصلها فقط سبعة أشهر عن موعدها الطبيعي. وفذلكة “الانتخابات المبكرة” ابتدعها الكاظمي كي يمسك العصا من الوسط . فمن جهة يرضي تحالف فتح للمليشيات الذي كان يرفض الانتخابات المبكرة من الأساس للاحتفاظ بأمتيازاته في السلطة، حيث علق عليها قيس الخزعلي في أيام انتفاضة اكتوبر بأنها مشروع أمريكي، ومن جهة اخرى كي يقوض أي الكاظمي انتفاضة اكتوبر وتفريغها من محتواها وحصر جميع مطالبها وأهدافها كذبا وزورا بانتخابات مبكرة التي كانت من وحي التيار القومي الوطني لتحسين حظوظه بالسلطة، وهي أي الانتخابات المبكرة لم تكن ابدا جزءا أو بندا من أهداف ومطالب الملايين من العاطلين عن العمل وعمال العقود والاجور والنساء.
قبل الخوض في مهازل الأطراف السياسية حول الانتخابات، سواء المرعوبين من نتائجها أو المتفائلين بها، لنذكر في هذه المناسبة الجمل والمقولات والعبارات التي استخدمت في الخطاب الإعلامي لكل الأطراف تحث المواطنين الذي لا حقوق لهم سوى المشاركة في الانتخابات، وهي نفسها التي تتكرر في كل مسرحية سمين بالانتخابات وهي اقرب الى تراجيديا من الكوميديا بالنتائج التي تسفر عنها، وكأن تلك القوى الفاسدة تراهن على ان ذاكرة الجماهير تشبه ذاكرة السمكة التي تنسى اي حدث يمر بها فورا. لنشحذ الذاكرة قليلا ونتصفحها لنتذكر تلك العبارات والجمل : فرصة للإصلاح، فرصة للتغيير، ابعاد الفاسدين، العراق أمام استحقاق انتخابي كبير، نقطة تحول في البلد، صناديق الاقتراع فرصة لانتخاب الأكفاء وأهل النزاهة والخبرة والتجربة ، صناديق الانتخابات فرصة كبيرة أمام الشعب العراقي لتغيير الفاسدين..الخ. هذه العبارات والجمل تتكرر عشية كل انتخابات، والنتيجة هي نفسها ولا تغيير يحدث، والادهى من كل ذلك فإن الأزمة السياسية تتعمق، والحكومة التي تتشكل تكون العن من سابقتها ويزداد حجم تورطها بالفساد والجرائم بكل اشكالها، وتزداد معها مساحة الفقر والعوز اضافة الى استمرار انهيار الخدمات في جميع المجالات.
الجميع في العملية السياسية يتفق على حقيقة واحدة، وهي الحفاظ وحماية النظام السياسي الفاسد، وليس هناك استثناء بينهم. وتلك الحقيقة تكشف حتى عن تورط المرجعية بها، وهي الظهور منذ تأسيس مجلس الحكم غير الموقر، بأنها بعيدة دائما عن الشبهات وأنها فوق الدولة والمجتمع، إلا أنها أخفت دائما في جعبتها مسألتين: الأولى أنها كانت دائما صمام أمان للعملية السياسية وكل النظام السياسي الراهن في العراق، بدءا من الاتفاق مع بول بريمر الرئيس المدني للاحتلال على إجراء أول انتخابات، وحينها دعمت أي المرجعية قائمة الشمعة والبيت الشيعي والتحالف الشيعي، ومرورا بلعبها دورا محوريا في إنقاذ المنطقة الخضراء التي كان تقبع بها سلطة التحالف الشيعي من السقوط في براثن داعش عبر فتواها ( الجهاد الكفائي) و تشكيل ميليشيات تابعة لها، واخيرا وليس اخرا دعوة مقلديها المشاركة في الانتخابات وتحت نفس اليافطات التي ذكرناها. أما المسالة الثانية وهي الوقوف على مسافة تضمن دون احتدام الصراع والصدام بينها وبين مرجعية قم أو ولاية الفقيه، وخاصة بعد سعي الميليشيات التابعة للأخيرة المنضوية في تحالف فتح أو الحشد الشعبي بالسيطرة أو إزاحة كل معارضيها ومخالفيها، وادى ذلك الى اعلان المرجعية بانسحاب مليشياتها والالتحاق بالقوات الامنية الحكومية. وهذه المسالة ما ادت اليوم بالمرجعية الى إصدار بيانها في دعوة العراقيين للمشاركة في الانتخابات خوفا من تكرار سيناريو ٢٠١٨ التي هيمن عليها تحالف مليشيات فتح. بمعنى اخر ان المرجعية والكاظمي ومليشيات الصدر والعبادي والحكيم يقفون في خندق واحد وهم خائفين من معاقبة الجماهير لهم ولكل القوى المتورطة في اختطاف حياتها ورفاهها وحريتها وغيبت اعزائها، عبر عدم المشاركة في الانتخابات، واعادة تحالف مليشيات فتح الولائية لولاية الخامنئي مشهد حكومة الطرف الثالث ولكن بدون رقبة عادل عبد المهدي التي تثخنت من كثر السرقة والنهب.
وفي خضم هذا المشاهد الدرامية، تبرز اكثر المشاهد سخرية وهو مشهد الكاظمي وتصريحاته الرنانة حول الانتخابات وانه ادى المهمة على احسن احوالها. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: ان الكاظمي الذي ثقب آذان كل مواطن في العراق من البصرة حتى دهوك، بأنه سيجمع السلاح المنفلت كي يؤمن إجراء انتخابات نزيهة، فهل انتزع أو لنقل جمع سلاح منفلت واحد ؟ فهو لم يستطع أن يلقي القبض على شخص مثل قاسم مصلح المتورط بجرائم قتل أكثر من ثلاثة أيام وقضاها كضيف معزز ومكرم في بيت فالح الفياض، ولم تستطع أن تتصدى قوات مكافحة الإرهاب الذي عين على رأسها عبد الوهاب الساعدي بالتصدي للسلاح المنفلت من الوصول الى غرفة نومه في المنطقة الخضراء، وحضر مثل تلاميذ المرحلة الابتدائية، كتلميذ مطيع ونظيف في رفعة العلم في احتفال تأسيس الحشد الشعبي، وراح يتجول في منطقة الكرخ في الكاظمية يستعرض قوته ضد الميليشيات، في حين كانت تلك المليشيات تصول وتجول وتستعرض نفسها في الرصافة، فكيف بأمكانه ضمان النزاهة الانتخابية. والحقيقة تقال فالكاظمي برع دائما بـ (بوخة اعلامية) وهي سابقة تحسب له وليس أكثر.
أما ما يؤكد ما ذهبنا إليه حول الكاظمي
سمير عادل