تتلخص الفكرة الأساسية التي يقوم عليها مبدأ الفصل بين السلطات في ضرورة توزيع وظائف الحكم الرئيسية،: التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات منفصلة ومتساوية تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها حتى لا تتركز السلطة في يد واحدة فتسيء استعمالها، وتستبد بالمحكومين استبداداً ينتهي بالقضاء على حياد الأفراد وحقوقهم، وإذا كانت تلك الفكرة هي جوهر مبدأ الفصل بين السلطات، فإن هذا المبدأ ليس معناه اقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم، ويحول دون مباشرة كل منها لوظيفتها بحجة المساس بالأخرى، ومن ثم فإن مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات أن يكون بين السلطات الثلاث تعاون، وأن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصها بحيث يكون نظام الحكم قائماً على أساس أن "السلطة تَحُدّ أو توقف السلطة" فيؤدي ذلك إلى تحقيق حريات الأفراد، وضمان حقوقهم، واحترام القوانين، وحسب تطبيقها تطبيقاً عادلاً وسليماً، فهذا ما يتفق وحكمة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات التي هي تحقيق التوازن والتعاون بين السلطات، وتوفير الحيدة لكل منها في مجال اختصاصها.
يعتبر مبدأ الفصل بين السلطات إحدى الركائز التي تستند إليها فكرة دولة القانون, كما أنه يعد من ضمانات الحرية في الدولة الديمقراطية الحديثة, ويعني هذا المبدأ ببساطة ضرورة توزيع وظائف الدولة الثلاث على هيئات ثلاث تتولى كل منها وظيفتها كقاعدة بشكل مستقل عن السلطتين الأخريين, وذلك لأن تجميع السلطة في قبضة واحدة من شأنه أن ينهي الحرية (فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة).
وبالرجوع للدستور العراقي بخصوص مبدأ الفصل بين السلطات، نرى هناك تناقض بين المادة (47) والمادة (75 رابعاً)، حيث أكدت المادة الأولى على ممارسة السلطات الاتحادية (التنفيذية والتشريعية والقضائية) لصلاحياتها وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات، أما المادة الأخرى والتي تناولت حالة خلو منصب رئيس الجمهورية التي نصت على "أن يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حالة عدم وجود نائب له"
وهنا تناقض واضح ومنافي لمبدأ الفصل بين السلطات بحلول رئيس السلطة التشريعية محل رئيس الجمهورية (سلطة تنفيذية) في شغور منصب رئيس الجمهورية، حيث يجمع رئيس البرلمان في هذه الحالة صلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً.
وجاء قرار المحكمة الاتحادية بتاريخ 13/12/2022، والذي قضى باستمرار رئيس الجمهورية بمنصبه لحين انتخاب رئيس جمهورية جديد، ورغم أن المحكمة الاتحادية لم توضح أن قرارها جاء استناداً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي نصت عليه المادة 47 من دستور جمهورية العراق، لكنها ورغم عدم التوضيح قد رفعت تناقض واضح ومعيب من طيات الدستور، نشد على يد المحكمة الاتحادية في قراراتها الأخيرة والتي تناولنا بعضها في مقالاتنا السابقة، ونتمنى الاستمرار بهذا النهج من أجل رفع كل الشوائب الموجودة في الدستور وهي الجهة الوحيدة القادرة على ذلك، بوركت جهود أعضاء المحكمة الاتحادية والقادم يبشر بخير.
د. صلاح الصافي