دخل العراق معمعة أنتخابية سريعة، بقانون الدوائر المتوسطة، ليحاول الخروج من أزمة حكومة السيد عبد المهدي، الذي تخلى عنه طرفا الشيعة من الولائيين والصدرين، بعد أن جعلوه يشعر أنه رب العراق الأوحد، لكن رياح التظاهرات جاءت بما لا تشتهيه سفن الإتفاقية الصينية، لندخل معضلة السباق الإنتخابي بالترشيح الفردي.
كانت مخرجات الإنتخابات، نذير خطر على واقعية التوازن داخل أروقة البرلمان العراقي، فكلنا يعلم أن الأحزاب لا تخلوا من أطراف اليمين المتطرف، وما أنتجه العرس البنفسجي، كان عبارة عن أطراف متناقضه متطرفة في المكون الشيعي، و متجانسة مأمورة في الطرفين الكردي والسني، كذلك أوجدت شكلاً جديدة بعنوان مستقلين.. أهدافهم متباعدة في الوطن متقاربة في المصالح، لأن الماسك لهم من الأعلى طرفٌ واحد، هدفه تغييب الأعراف السياسية في أروقة الديمقراطية العراقية، والتي هو نفسه من أسسها، ليقلب معادلة توازن المكونات إلى تقويض المكون الشيعي، وتمكين الباقي بحجة الأغلبية؟!
متناسياً أنها لو لم تحفظ حقوق المكونات، لكانت تعتبر خطو نحو مصادرة حقوق الأكثرية، بتغييب القرار الصائب و الإنسداد السياسي، مابعد الأخير نذير خطر يحيط بالتجربة السياسية الحالية..
الأطراف الماسكة للأحزاب في العراق أنتجت معادلة مشوهة، لا يمكن لها أن ترسوا على بر الأمان لتشكيل الحكومة، لأن الإطار ومن ينطوي تحته، يطالبون بأن يكون الطرف الشيعي، هو الأغلبية في داخل أي تحالف يشكل الحكومة، لأنه يعلم أنهم لو كانوا أقلية سوف يُقوضون شيئاً فشيئا، حتى ينتهي دورهم في أقل من عشرة سنوات، أما طرف التحالف الثلاثي، فأنه يبحث عن تشكيل حكومة لا يشارك بها شيعة الطرف الآخر، بينما يسمح لكل السنة والكرد بالمشاركة، وهذا ما لا تتماشى معه الأعراف السياسية منذ نشأتها الديمقراطية، لنكون أمام أنسداد سياسي، أحد أذرعه يميني متطرف لا يؤمن سوى بمبدأ القوة، وراهن على ذلك في جلسة السبت..
لكن كما يبدوا فإن رياح الثلث الضامن جاءت، بعكس ما تشتهيه سفن التحالف الثلاثي، لتنهي إرادة كسر الأذرع، وتثبت أن السياسة فن الحوار وليست فن القتال.
الإنسداد السياسي الحالي يعيدنا بالذاكرة إلى التجربة اللبنانية بعد 2006، عندما تصارع النقيضان على تشكيل الحكومة، ولم يستطع أحدهما أن يفعل ذلك، لتدخل بعدها لبنان في فجوة الفراغ الحكومي إلى يومنا هذا.. وخلطة العطار أبو ناجي هناك أرادت إعادتها هنا، لتلبنن العراق لكن بصيغة ثانية، نكهتها شيعية شيعية، لكن أهدافها لا تقف عند الفراغ الدستوري! وإنما من المرجح أن تنتهي بإنهاء الآخر سياسياً ووجودياً، ليكمل ما فشلت به "داعش" ويتحول الجنوب إلى محرقة لمكون الأغلبية، ويعود العراق إلى نقطة البداية، وينفراد الأقلية في حكم الوطن..
لنكون ساحة صراع لصالح المحور الغربي، ونقطع الطريق أمام المشروع الأوراسي للشرق الصيني_الروسي، نحو ربط آسيا و أوروبا، لكن الأهم هل سيقف الشرقيون مكتوفي الأيدي أمام التقدم الغربي، أم نتحول إلى يمن، لبنان أو سوريا أخرى، في ظل غياب الضمير الوطني من ساسة الصدفة، وتتحول بلاد الرافدين إلى حوض دماء وخراب؟
الصراع السياسي الحالي ربما يهدف إلى شق الصف الوطني، وإنهاء التجربة الديمقراطية، والقضاء على الأعراف السياسية القائمة، كل ذلك برعاية غربية، لتحاول قطع الطريق أمام التنين الصيني والدب الروسي، ويراهن على شراء ذمم بعض الساسة في بلادنا، لكن الأيام حبلى بالمفاجئات، ومن يتغطى بالدولار الأمريكي، سيتفاجئ أن منظمة شنغهاي ستعريه بالكامل، وتقوض النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط..
العراق مازال ملفاً صغيراً داخل قوقعة المشاكل العالمية، والصراع لن يأتي سوى بالويلات على الشعب، في ظل طبقة سياسية لا تغادر لغة المال، وعلى الفراغ الدستوري القادم.. السلام.
محمد جواد الميالي