انتهت جلسة مجلس النواب قبل ان تبدأ، ودون انعقاد والأسباب كثيرة، ولكن أهمها هو "كسر الإرادات" ومحاولة تغيير المعادلة السياسية بعد انتخابات تشرين الأول الماضي، التي حملت كثيرا من علامات الاستفهام، وتركت أسرارها في الغرف المظلمة دون تسليط الضوء عليها، أو الوقوف بجدية على ما حصل، وهذه المرة الهدف هو مجلس النواب ضمن حملة منظمة تجاه مؤسسات الدولة ومن ضمنها مؤسسة التشريع.
تلك المؤسسة الوحيدة التي تمثل صوت الشعب العراقي بكافة أطيافه، فما حصل هو سرقة لحصانتها، وهدم لبناء العمل السياسي، الذي ذهبت من اجله ملايين من قوافل الشهداء، الذين احتضنتهم عشرات المقابر الجماعية، على مدى أربعين عاماً من الحكم البعثي.
تسلط اليوم الاضواء على التيار الصدري، بحكم كونه من نال أكبر عدد من المقاعد، لكن يبدوا ان القياسات التي يعتمد عليها التيار، في بناء رؤاه للدولة لا تتفق تماماً مع واقعه، فالتحالف الثلاثي والذي هو جزء منه ويمثل 44% فيه، فيما يمتلك (الحلبوسي والبارزاني) 55% الباقية ما يجعله عنصر مستضعفا في هذه المعادلة، كمن ورط نفسه في معضلة، لا يسهل عليه الخروج منها لوحده.
الواقع بين ان السيد الصدر الذي يمتلك 74 مقعداً لم يمكنه تمرير مرشح حليفه لرئاسة الجمهور"ريبر أحمد"، رغم محاولاته الشديدة في استقطاب، المستقلين، لأنه ببساطة قد أستخف بخصومه من بقية الاحزاب الشيعية، التي اصور انه قد كسرها، بالاستقواء بحلفائه الجدد.
السنة العرب من جهتهم كان الصراع بينهم أخف وطأة إذ استطاعت تركيا توحيد السنة في تحالف واحد، وأتفق الجميع على ضرورة التوحد وفض الاشتباك بينهم، ما جعل موقفهم السياسي ينتهي إلى ترشيح الحلبوسي وانتخابه رئيساً لمجلس النواب.
الأكراد من جهتهم كانوا يمثلون حلقة الوصل بين المكونات، لكن الخلافات بين الاتحاد الوطني والديمقراطي وصلت إلى طريق مسدود بعد ان كان التوافق هو سيد الموقف في المعادلة السياسية، بأن يكون رئاسة الجمهورية من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني وقيادة الإقليم من حصة الديمقراطي الكردستاني ولكن نتائج الانتخابات الأخيرة والتي جاءت لصالح الديمقراطي الكردستاني، مما دعاه لرفض معادلة التفاهمات السابقة ومحاولة فرض معادلة جديد، مبنية على أساس تلك النتائج ويتطلع فيها الأخير إلى الاستحواذ بشكل أكبر، على المناصب المخصصة للأكراد، والتي منها منصب رئيس الجمهورية.
الحل الأمثل للخروج من هذه الحلقة المغلقة، هو إيجاد التفاهمات المطلوبة من أجل ضمان تشكيل الحكومة، سواءً من التحالف الثلاثي والذي يسعى إلى تشكيلها وتثبيت الضمانات في ضرورة أن يكون تقاسم السلطة والدرجات الخاصة جميعها من المستقلين حصراً، وفق آلية واضحة وشفافة ومعروفة بنزاهتهم واستقلاليتهم على أن تراعى فيها النسبة المئوية للمكونات وتمثيلها فيها، وأن يكون رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء خارج تلك المعادلة، وأن يتم ترشيحه بالاقتراع المباشر، من قبل مجلس النواب ومن ثم تشكيل حكومة قوية، تكون قادة على النهوض بالواقع الاقتصادي للبلاد، والتي ستكون أولى الخطوات الضرورية والمهمة، في ترسيخ الكتلة الأكبر في البرلمان.
محمد حسن الساعدي