حادثة اغتيال امير المؤمنين علي عليه السلام هي احدى اهم الحوادث في التاريخ الانساني والاسلامي على حد سواء لما يمثله سلام عليه الله عليه من قدوة انسانية وقيمة دينية، حيث كان عليه السلام الإمام الأول للشيعة والخليفة الرابع عند عامة المسلمين إضافة لكونه صهر الرسول صلی الله عليه وآله وسلم وكاتب وحيه، وقد ثبت التاريخ عشرات المواقف البطولية والمهمة لهذه الشخصية البارزة.
لقد تعرض الإمام عليّ بن أبي طالب للقتل عدة مرات، ومن أشهرها كانت ليلة هجرة النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وبعد ليلة المبيت وخروج علي مع الفواطم إلى النبي قد تأكدت عزيمة جمع من الكفّار على قتله عندما لحقوه بالطريق، وقالوا له ارجع بالنسوة، وحالوا بينه وبين النسوة كي يرجعوهن، فشد عليهم وقتل أحدهم، وثمّ بعد ذلك في حرب بدر ومقتل أكثر من نصف الذين قُتلوا من صناديد الكفّار على يده عليه السلام تأكدت عزائم الكفار على قتله أكثر فأكثر.
في خطبة النبي صلى الله عليه وآله في فضل شهر رمضان فقال عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟ فقال: صلى الله عليه وآله: في سلامة من دينك، ثم قال: صلى الله عليه وآله: يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، و من سبك فقد سبني، لأنك مني كنفسي، روحك من روحي وطينتك من طينتي إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي، وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري ونهيك نهيي أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره، وخليفته على عباده. بحار الانوار ج42ص190
في الليلة التاسعة عشر كان الإمام في دار ابنته أم كلثوم فقدمت له فطوره في طبق فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن حامض وجريش ملح، فقال لها: قدمت إدامين في طبق واحد وقد علمت أنني متبع ما كان يصنع ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قدّم له إدامان في طبق واحد حتى قبضه الله إليه مكرماً، ارفعي أحدهما فإن من طاب مطعمه ومشربه طال وقوفه بين يدي الله. فرفعت اللبن الحامض بأمر منه وأفطر بالخبز والملح.
قالت أم كلثوم: ثم أكل قليلاً وحمد الله كثيراً وأخذ في الصلاة والدعاء ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرّعاً إلى الله تعالى، وكان يكثر الدخول والخروج وينظر إلى السماء ويقول: هي، هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله، ثم رقد هنيئة وأنتبه وجعل يمسح وجهه بثوبه ونهض قائماً على قدميه وهو يقول: اللهم بارك لنا في لقائك، ثم صلى حتى ذهب بعض الليل، وجلس للتعقيب ثم نامت عيناه وهو جالس،فانتبه من نومته، فقال لأولاده: إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني، وأريد أن أقصها عليكم.
قالوا: ما هي؟
قال: إني رأيت الساعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الأواخر من شهر رمضان، فهلمّ إلينا فما عندنا خير لك وأبقى.
قالت: فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثم أقبل عليهم يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.
وجاء في ناسخ التواريخ: لما استشهد أمير المؤمنين(عليه السلام) خرج الإمام الحسن(عليه السلام) واعتلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: لقد قبض الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه، وكان رسول الله يوجهه برايته، فيكفيه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن شماله ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه، ولقد استشهد في الليلة التي نزل فيها القرآن، وعرج فيها بعيسى ابن مريم، والتي قبض فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطيته أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس.
عــــليك أميـــــر المـــــؤمنين تـــأسفي وحزنـــــي وان طـــــال الـــزمان طويل
جلـــــلت فجـــل الرزء فيك على الورى كــــــذا كـــــل رزءٍ للجــــلــيل جـــــليل
مصــــاب أصيــــب الــــدين منه بفادح تـكـــــاد شـــــــم الجـــــــبال تــــــــزول
فلـــــيس بمـــــجد فيك وجدي ولا البكا مفــــــيد ولا الصـــــبر الجــــميل جميل
وان ســــــئم البـــــاكون فيــــك بـكائهم مــــــلالاً فـــــإني لـــلبــــــكاء مطـــــيل
نصير مزهر