بات من الصعب التنبوء بمستقبل العراق القريب، بل إن الأمر الأكثر صعوبة هو عدم إيجاد حلول للمشاكل السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي،بالإضافة إلى وجود التهديد الإرهابي المستمر للبلاد، وأزمات المناخ، والاهم من ذلك هو الفساد الذي استشرى بكل مفاصل الدولة، واخذ يقبض على أنفاسها الأخيرة.
التيار الصدري الذي سعى لتشكيل الحكومة بعد حصوله على 73 مقعداً،والذي من شانه أن يجعله قادراً على السيطرة على مؤسسات الدولة وشؤونها،ومع عدم قدرتهم على تشكيلها ولتعويض النقص حاول الصدريون مناشدة المستقلين من الأحزاب والكتل السياسية الأصغر لكسب دعمهم في البرلمان،ولكن هذه المحاولات لم تنجح لان هذه الكتل أصرت على بقاءها خارج الصراع السياسي او ذهب باتجاه دعم الإطار التنسيقي.
بعض المحللين ذهبوا إلى إن مواقف هذه الكتل السياسية نتيجة لارتباطهم غير المعلن مع الخارج،ولكن هذه النظرية تعرضت للطعن وباتت باطلة في كثير من الحالات،كون الخلاف ما زال قائم، ولو افترضنا هذا التدخل الإقليمي لوجدنا إن تقارب وجهات النظر هو السائد في الوضع الراهن، ولبات تشكيل الحكومة قاب قوسين أو أدنى،دون الذهاب إلى حالة الصراع السياسي والذي وصل إلى حد المواجهة المسلحة بين أقطاب الصراع.
الحقيقة إن العراق يمر بفترة تغيير في ديناميكية الوضع السياسي ككل،بالعكس من حالة التقارب الكبيرة التي كانت سائدة بين القوى السياسية عموماً، والسهولة التي كانت تتعامل بها في تشكيل أي حكومة منذ عام 2005،ولكن الآن نفس هذه الأحزاب وجدت نفسها أمام صراع داخلي فيما بينها على السلطة،فمنذ انتخابات 2018 دخل التيار الصدري كمنافس للقوى السياسية الأخرى،والذي يحاول إن يكون الممثل الوحيد للشيعة في العراق، وفي نفس الوقت تحاول القوى السياسية الأخرى منع هذا المشروع وهذا هو السبب الرئيسي في تخلي القوة المستقلة وباقي القوى السياسية عن الكتلة الصدرية وتبنيهم لخيار الذهاب نحو فتح قناة الحوار مع الإطار التنسيقي .
الحكومة العراقية برئاسة السيد الكاظمي اتخذت موقف المتفرج،وأبدت إحجامها عن أي مواجهة مع أنصار المعسكرين،الأمر الذي أثار حفيظة العديد من المراقبين عن دورها في هذه الأزمة والذي ينبغي إن يتخذ موقف المحافظ على كيان الدولة وهيبتها ومنع سقوطها بيد أي من القوى المتصارعة،ناهيك عن التناقض الواضح والصارخ بين استجابتها للتظاهرات الحالية وتظاهرات تشرين من عام 2019،الأمر الذي يبرز حالة الضعف والازدواجية في معاييرها تجاه مواطنيها،وجعلت هذه الديناميكية غير المتوازنة كبح جماح هذا الصراع بين القوى السياسية،وبدأت المخاوف تتزايد من مدى قدرة الحكومة منع اندلاع أي صراع مقبل.
ينبغي على الكتلة الصدرية قبول عواقب قراراتها في الانسحاب من البرلمان، إذ لايمكن للمأزق السياسي الاستمرار لفترة أطول، وينبغي أعطاء الأولوية لمعالجة المخاوف الحقيقية لدى المواطن العراقي وهي نقص الخدمات، كما ينبغي للقوى التي وقفت مع التيار الصدري في مواقفه المتشنجة إعادة حاسباتها جيداً،ودعم حركته في التظاهرات أن هذه الخطابات ليست مقاييس موثوقة لنواياه والتي بالتأكيد غير الهدف.
محمد حسن الساعدي