من قال إن منافسة الآخرين خيرٌ بالمجمل؟ مثلُها بل أخطر منها الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، ولا يستغنى عن بناء العلاقات الجيدة في كل مناحي الحياة، ومع كل المهارات التي تتطور لدى المرء يستنتج أن هناك نوعا من العلاقات السامة التي تخترق حياته على صعيد العمل أو العاطفة أو الصداقة أو المقربين من الأهل، وتستنزف طاقاته.
ويرى تربويون أن العلاقات السامة تكون عادة مصحوبة بانتقادات وتجاهل يؤذي المشاعر أو الأفكار الخاصة بالفرد، وقد لا تخلو من أسلوب تطفلي بشكل غير لائق أو التعامل بأسلوب تفضيلي سلبي عن الآخرين في المحيط.
وقد يتخللها عنف جسدي أو نفسي، وتشحن الفرد لتقحمه في مشاكل تهدف إلى إيذائه وتثبيط همته، ومع مضي الوقت وزيادة الوعي يجد الفرد أثر هذه العلاقات السامة على نفسيته وإنجازه، ويبدأ بتصنيف العلاقات في حياته إلى إيجابية بناءة، وأخرى سامة مؤذية.
يؤكد التربويون أن المتضرر من العلاقة السامة ينتابه ضيق في النفس وإحساس مؤلم في جسده ورغبة شديدة في التحدث مع أحد مقرب جدا إليه يثق فيه، ليفرغ هذا الإحساس "بالتسمم المعنوي" على سامعه في شكل عبارات تعكس مقدار الألم الذي يؤثر سلبا على سلوكه، ويقوده للإحباط وعدم الإنجاز.
ويجد السامع هذه العبارات مسممة لعدة أسباب، منها: احتواؤها على جمل غير صادقة محشوة بالكذب والادعاءات التي تؤكد سلبية المتألم، وأيضا الحرص على هزّ ثقة المتألم والإنقاص من قدره، والهدف تدمير إنجازاته وعدم احترام قدراته، والتقليل من شأنه أينما تواجد.
صفات الشخصية "المؤذية": أنها حقودة ومنافقة ومخادعة، معسولة الكلام ذات فضول، لا تكل ولا تمل، وتحرص على الاستمرار في استنزاف طاقة الآخرين.
ويتم كشفها وفق التربويين من الجمل التي يتفوه بها، ودراسة آثارها على نفسيتك، وملاحظة الحالة النفسية عند الابتعاد عنها، والفرق الحاصل في تحسن السلوك والإنجاز.
وينصح التربويون بالابتعاد عن العلاقات السامة قدر الإمكان، خاصة إذا كانت من الأقارب، مع الحفاظ على اتزان الصحة الجسدية والنفسية، ووضع خطة خاصة بك تتوافق مع شخصيتك وتطلعاتك، وعودة صورتك الأصيلة للذات.
فلا بد أن تكون متيقظا لوضع حدود أمان فاصلة بحكمة وذكاء، لتعود إلى بناء شخصيتك السوية بعيدا عن تأثيرهم عليك.
لتوضيح الأثر السلبي للعلاقات السامة في حياة الفرد من الجانب النفسي إن العلاقات الصحية هي تلك التي يهدف فيها كلا الطرفين إلى سعادته وسعادة الطرف الآخر وتطوير العلاقة بشكل مستمر.
إذ يعطي فيها كل شخص الآخر حرية التعبير عن رأيه، ويساند كل منهما الآخر في اتخاذ القرارات ودعمها، دون لوم أو إشعار بالذنب أو التقصير.
ويمكن القول إن العلاقة الصحية هي تلك التي يستطيع الشخص فيها أن يكون على طبيعته دون خوف أو قلق.
أما ما يمكن وصفه بـ"العلاقات السامّة"، فهي تلك التي يشعر فيها أحد الطرفين أو كلاهما بالتهديد المستمر وعدم الأمان، حيث يميل أحدهما أو كلاهما إلى التملك والسيطرة والأنانية بشكل مباشر أو غير مباشر.
من المقبول وجود نزاع على السيطرة في بداية أي علاقة، وهذا قد يتم تبريره بالقلق والاختلاف بين الطرفين، لكن عادةً ما يتم إيجاد طريقة لتشارك هذه السيطرة بين الطرفين.
إن الإصرار الشديد من أحد الطرفين على السيطرة والتحكم بالعلاقة والطرف الآخر بشكل مباشر أو مُلتَف، يجب أن يدقّ ناقوس الخطر بالنسبة للعلاقة.
ومن صور هذه السيطرة والعلاقات السامة ما يأتي:
التقليل من شأن الطرف الآخر بالاستهزاء والاستخفاف، مما يُفقده الثقة بالنفس ويدفعه لعدم اتخاذ قرار بما يخص العلاقة، فتتحقق السيطرة بشكل غير مباشر.
الانفعال الزائد كالعصبية الشديدة أو الحزن الشديد فيما يخص الانتقاد أو النقاش في مواضيع العلاقة، وهذا الطبع بشكل متكرر يدفع الطرف الآخر لعدم إبداء آرائه ووجهات نظره بما يخص العلاقة، تجنبا لردة الفعل القاسية من الطرف الآخر.
توليد الشعور بالذنب لدى الطرف الآخر، وهذا شائع جدًا في العلاقات بين الأهل والأبناء، حيث قد يستغل الأهل شعور الأبناء بالذنب والتقصير لتحقيق أوامرهم والأخذ بآرائهم والسيطرة عليهم.
التخلي التام عن مسؤولية اتخاذ قرارات أو حتى المشاركة في اتخاذ أي قرار، وفي هذا تحميل للمسؤولية ووضعها بشكل كامل على عاتق الطرف الآخر، مما يولد لديه الشعور بالقلق المستمر، والحاجة إلى التخلي عن هذه المسؤولية.
ولا شك أن العلاقات التي تتضمن إيذاء جسديا ولفظيا هي بالتأكيد علاقات سامة.
نقاط تكشف للمرء أنه في علاقة سامة، هي:
إذا كنت تقدّم أكثر مما تأخذ، وتشعر بأنك مستغَل.
تشعر باستمرار بعدم احترام الطرف الآخر لك، وعدم الاستجابة لمطالبك.
تشعر بتدني الثقة بالنفس بما يخص العلاقة.
تشعر بأنك "غير متفهَّم من الآخر"، وغير مدعوم أو تشعر بالتهديد بشكل مستمر.
تشعر بانعدام الطاقة أو الغضب الشديد بشكل متكرر عند التواجد أو الحديث مع الطرف الآخر.
لا تستطيع أن تأخذ حريتك وراحتك خلال وجودك مع الطرف الآخر، وقد يصبح همّك الأكبر تجنب المشاكل فقط.
تبذل الكثير من الوقت والجهد في محاولة إسعاد الطرف الآخر دون جدوى.
تشعر بأنك دائما مخطئ ومُلام دون سبب واضح، حتى لو كان الخطأ من الطرف الآخر، وتشعر بنهاية الحوار أن اللوم يقع عليك.
وأختم بالتأكيد على أن تحسين العلاقة السامة يتطلب الوعي بها والعمل عليها من كلا الطرفين، أما إذا كان أحد الطرفين رافضًا التعاون، فيجب على الآخر الاستعانة بمختص لوضع حدود واضحة وحازمة للعلاقة، والتخفيف تدريجيًا من سيطرة الطرف الآخر، للوصول إلى حل وسط ومناسب للطرفين
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية