ياسر عبد العزيز
انتهت القمة العربية الصينية التي عقدت في الرياض بوثيقة سمتها الأطراف الموقعة عليها بــ"إعلان الرياض" تضمنت أربعة وعشرين بندا ما يجعلها بما تضمنت وبحق وثيقة استراتيجية للتعاون والتنمية بين أطرافها حيث استطاعت السعودية جمع كل من قطر والإمارات وعُمان والبحرين والكويت والعراق ولبنان والأردن ورأس النظام في مصر وتونس والسودان والجزائر وموريتانيا على مائدة الرئيس الصيني بما يشبه القمة الأمريكية العربية في جدة في شهر يوليو الماضي . الوثيقة تضمنت بنوداً جعلت واشنطن تترقب مما قد يدخل منها حيز التنفيذ أولاً لا سيما وأنها شريك مهم للصين ومنافس قوي للخليج في مجال الطاقة، محور اهتمام الصين والخليج حيث تصل صادرات أمريكا للصين 184,92 مليار دولار متمثلة في فول الصويا والرقائق الدقيقة ولكن أغلب المدفوعات تذهب إلى الغاز المسال والنفط وفحم الكوك فيما تصدر السعودية وحدها من دون باقي الدول العربية الغنية بالنفط والغاز ممن حضر القمة للصين ما قيمته 44 مليار دولار للنفط فقط كما ضمنت الصين العام الماضي تدفقات الغاز الطبيعي من قطر لمدة 27 عاماً في اتفاق طويل الأمد من مشروع حقل الشمال الشرقي تبلغ أربعة ملايين طن لشركة سينوبك الصينية ما يعني أن أمريكا التي تترقب من بعيد ما خرجت به القمة العربية- الصينة باتت قلقة من التوغل الناعم لبيكين والتمرد الناعم من العرب .
خطورة الاتفاقيات التي عُقدت وبنود الوثيقة التي وُقعت أن التبادل التجاري بين الدول العربية والصين سيكون بالعملات المحلية ما يدلي بمؤشرات الإفلات من قبضة الدولار صاحب الهيمنة على التبادل التجاري في العالم وهي مواقف تبدو مخططا لها بعد قرار الدول النفطية عدم زيادة الإنتاج بعد العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا مع بداية غزو الأخيرة لأوكرانيا وإن كان التذرع بعدم سماح الطاقة الإنتاجية والتخزينية لاستيعاب المزيد من الإنتاج إلا أن القرار كان قاسياً على بايدن الذي ورط أوكرانيا والغرب ثم العالم وحرمهم من النفط الروسي . أخطاء بايدن لم تكن في توريط أوكرانيا والغرب في الحرب وتبعاتها فقط بل في عدم مراعاة الشراكة الاستراتيجية بين بلاده ودول الخليج التي طالما اعتمدت عليها أمريكا كخزان ضخم للطاقة ومشغل رئيس لمصانع الحضارة الغربية ونظرت إليها كمنطقة شراكة تصل لحد الاحتكار يؤكدها التعاون الأمني والعسكري لكن موقفه من إيران غيّر الكثير من هذه العلاقة . ففي الوقت الذي تداهن فيه الإدارة الأمريكية النظام في طهران من غير مسوغ مفهوم جعلت العرب يحزمون أمرهم بامتلاك ورقة ضغط قد تجعل واشنطن تعيد النظر في سياساتها وتعيد التموضع وتحسن موقع ارتكازها لا سيما وأن الصين لا تفرض شروطاً تعجيزية كما أمريكا وأوروبا كما لا تنظر للعرب بتلك النظرة الفوقية التي تنظر بها أمريكا لهم. فلن تنسى السعودية والعرب مواقف ترامب معهم في زياراته الابتزازية، كما أن بكين ليست كما واشنطن تنظر لما يراه العرب من أواخر اهتماماتهم .. حقوق الإنسان لذا فإن الصين شريك مريح بالنسبة للعرب وهو ما يجعل لها ميزة نسبية رغم وجود الأهداف الاستراتيجية بالسيطرة لكن العرب الذين من المفترض أنهم يفهمون ذلك جيداً يقول لسان حالهم : نعتق من غطرسة راعي البقر ثم لكل حادث حديث . وثيقة الرياض التي وقعها العرب مع الصين أعطى فيها الرئيس الصيني كل أنواع المهدئات لأوجاع العرب .. تنمية لمن يعاني وتكنولوجيا لمن يريد والتأكيد على سيادة الدول والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لمن يعاني من القصف يومياً والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والمطالبة بحل القضية ووقف الانتهاكات الإسرائيلية والإشارة لدور الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس بعد رفع كل الجماهير العربية علمها في مونديال قطر وإرضاءً لحضرة من حضر .
وبالنسبة لوجع حقوق الإنسان، كان المسكن شديدا حيت أكد على رفض تسييس قضايا حقوق الإنسان واستخدامها كأداة لممارسة الضغوط على الدول والتدخل في شؤونها الداخلية ومن ثم فإن الإيغور شأن داخلي كما كل معتقلي الرأي والأقليات المهمشة شأن داخلي في بلادنا . وفي مجال البيئة واتفاقية باريس التي يراها العرب صداعا غربيا يستهدف مواردهم أكد الصيني على النمو الاقتصادي العالمي والمرتبط بشكل وثيق بأمن الطاقة وتوفرها بما يعني لا خوف عليكم ولا تحزنون طالما أن فيتو الصين حاضر . كل تلك المهدئات والمسكنات من أجل الوصول لهدف واحد سيوصل لأهداف عدة؛ هو التأكيد على أهمية التعاون المشترك لتحقيق التنمية المستدامة والحد من الفقر والقضاء عليه والتشارك في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق الصينية ما يراه البعض مشروع احتلال ناعم تنفذه الصين منذ ما يقارب العقد من الزمن ونفَسُها في تحقيق ذلك طويل . آمال الطرفين الموقعين على الإعلان كل بحسب ما يرنو وترقب أمريكا والغرب يمكن أن يحول سياساتهما تجاه العرب لكن هذا التحول لا يُعرف كيف يمكن أن يكون بعد أن أعلن ترامب نيته الترشح من جديد لرئاسة أمريكا .