محمود الجاف
مؤلم أن تجد نفسك في عالم جديد . الذين يرتدون فيه زي البشر لايشعرون بالخجل أو الخوف والوجل . عالم من الاكاذيب والأوهام والدجل .. قد يطردوك لانك تعتبر الشرف من الصفات السامية . أو تُتهم انك من البعد القديم الذي تجاوزه الناس قبل ان تحكمهم وتتحكم فيهم ثقافة الانحدار الى الهاوية . رغم انهم تربوا في بيوت العفة والحياء . يوم كانت العفة شعار الذين يبحثون عن امهات طاهرات لأولادهم .. لن تتخيل أبدا ان البعد الاخر يُشبهُ عالمك ( عالم العروش والكروش والعاهرات والقروش ) عالم الضباع . يختلف عن عالم الجياع . لانك خلال فترة وجيزة تكتشف ان الشخص الذي تعرفه اصبح مُختلفا كانك لم تلتقيه من قبل . فعندما تنظر اليه وتلتفت ثم تعود . سترى كل شيء قد تبدل .. بعد ان كانت حياتنا مثل الخط المستقيم الذي تجمعت عليه مجموعة من النقاط المصفوفة على بعد واحد . لكن تبين اننا واهمون كالمثلث والمربع والدائرة فهم يرون انفسهم خطوطا مُستقيمة رغم اعوجاجهم . فالمنحرف يرى حتى المُستقيم اعوج . لانهُ مُتعرج في اعماقه .. صدقني لو نظرت الى شكلك من الأعلى لن ترى سوى جثة على قيد الحياة . جثة تتنفس . لكنها ميتة منذ عهد بعيد . عندما تنقلت بينها ساءني ما رأيت وياليتني لم ارى .. وتأكد لي ان العمى احيانا نعمة كبيرة لايدركها المُبصرون .. فقد وجدت جثثا كثيرة معلقة في طريقي كان اخرها الكرامة . بعد ان علقوا الحياء والاخلاق والثقافة والعلم والأمانة . كانت هي آخر جثة .
قد تجدون غرابة في هذا الكم الهائل من الحزن والأنين المُبطن .. لكن الشرارة كانت قراءتي خبرا عن عقود تربية نينوى التي خصص لها راتب شهري قدره 300 ألف ( كيف يمكن ان تعيش عائلة بهذا المبلغ ؟ ) ثم دار حوار بيني وبين يائس آخر حول رواتب الرعاية الاجتماعية .. الشرائح التي تعيش تحت مستوى خط الفقر ممن هم بحاجة الى دعم الحكومة التي يستلم أصغر سارق فيها ملايين الدولارات ووفقاً لقانون الرعاية الاجتماعية رقم 11 لسنة 2014 يحصل المواطن على مبلغ قدره ((105,000 مائة وخمسة الاف دينار ( والله حقيقة وليست مزحة ) .. ثم عقود الشباب الذين تطوعوا الى الشرطة مقابل مبلغ قدره 500 ألف دينار عراقي ..
السؤال : ماهو عدد المهجرين ؟ والمهاجرين ؟ والمعتقلين ؟ والذين غيبوا الى الابد ؟ والعاطلين ؟ .. المخطوفين ؟ المخطوفات ؟ الاطفال ؟ الأميين ؟ الأرامل واليتامى .. سجل في شهر واحد 6620 حالة طلاق في العراق باستثناء محافظات إقليم كردستان الثلاث أي قرابة 220 حالة طلاق يومياً وفق بيان نشره مجلس القضاء الاعلى .. سحق تام للاسرة وتدمير متعمد للافراد وتحويلهم الى اجساد تحلم بالموت ..
الغريب اني عندما خرجت الى الشارع الذي لاحقتني فيه اصوات الفقراء وانين العراة والجياع كان في الجانب الاخر طفلا يلعب في سيارته الحديثة الحقيقية التي كان يحلم بها عشاق رغيف الخبز . كانت هدية والده يوم ميلاده . حتى الهدايا مُختلفة . الم اخبركم ان الاحلام ايضا لها ابعاد مختلفة .. كانوا يحلمون ببيت صغير وبعض الدراهم . فان كنت تريد ان تجتاز عالمك . عليك ان تغير قانون المحظورات والممنوعات والمسموح والمرغوب وتتعلم متى ترفض ومتى توافق . تلك الكلمة التي علقوا عليها مصابيح خضراء مضيئة اربعٌ وعشرون ساعة .. صدقوني حتى الشهوات والرغبات والحاجات والامنيات مُختلفة ..
بل حتى الأمل مُختلف لدى العالقين في البعد المدفون تحت ركام الذكريات ...
هل تعرفون كم تستلم الرئاسات الثلاثة ؟
كم يستلم الوزراء والقادة العسكريين والامنيين ورؤساء الكتل والاحزاب ؟
كم يستلم النائب في البرلمان ؟
هل تعرفون لماذا اعادوا مجالس المحافظات وكم يستلمون شهريا ؟
وفي المقابل يظهرون سلوكا مبرمجا على جميع الفضائيات يؤكد ان الشعب مرفه بل غارقٌ في الخيرات والا لماذا كل هذه الولائم في الزيارات والمناسبات والاحتفالات المخطط والمقصود الترويج لها ؟
كل هذا عدا السرقات ..
والناس تبيع اطفالها من الفقر والجوع
وبعد كل ماذكرت مازال هناك من ينتخب !
برأيكم كيف يمكن ان تتخلصوا من هذا البلاء وما هو الدواء لهذا الداء ؟