صباح الزهيري
يقول الشريف الرضي : (( وبي شوق إليك أعل قلبي وما لي غير قربك من طبيب)) .
أذا أردت ان أصف شوقي اليك , أقول : كحبات التوق المكبوسة , كمعالم اختلال مشترك , كسلاسل الانتشاء لتقويس جرح , كعروق اللسعة في مرآة الالتصاق , كجلود المحبين لقنص عضة الانغماس , كحيز لفظي من جولة تجريد , تأتين كحلم هامد مملوء بدقات سكر, وانا الذي ما زال طيفك يزورني , فيلهب مشاعري , ويُؤجج نيران اشتياقي لك ويُثير أمواج هيامي , رحلت إلى أين؟ ليتني أعلم , اما تعرفين ان الغربة ليست فقط مغادرة الوطن , بل هِي أيضًا مغادرة أوطان صغِيرة من حياتنا كقلوب مَن نُحب .
إلى اول إنسانة , وهبتني فرحا , وبقيت من ذلك الزمن أحمل اشراقة الوجه النوراني والابتسامة التي تكشف السحب وترسم الوردة, صحيح انه للناس مسراتهم الصغيرة التي تكفيهم , وأنا لازلت ابحث عن الأرتواء, وانا الذي لم يعد قلبي يحتمل الصحوة , أريد أن أعيش في غيبوبة حلمٍ معك إلى الأبد , كما يقول محمود درويش , فلا دور لي في حياتي سوى أنني , عندما علمتني تراتيلها قلتُ : هل من مزيد ؟ في غيابك يلف دنياي السكون , وفي وجودك تضحك أحزاني وتهون , دمعة تسيل وشمعة تنطفي والعمر بدونك يختفي , ومن دونك قلبي ينتهي , الشوق إليك يقتلني دائمًا أنت في أفكاري , وفي ليلي ونهاري , صورتك محفورة بين جفوني وهي نور عيوني , أذكرك وأشتاق, وأسهر مع الأشواق وأكتب على الأوراق البعد لا يُطاق , إنّ هواك في قلبي يُضيء العمر إشراقًا .
تقول سيمون دو بوفوار : (( أنا أضعُ الصّداقة فِي منزلةٍ أرقَى مِـن الحبّ , يمكنُني تماماً الاستمتاع بحياةٍ لا تحْوي سوى صداقَـات)) , وأذكر اني قرأت أن شقاء الإنسان ينبع من حبه لمن لا يفهمه , بل ويسيء فهمه باستمرار , إن شقاء الإنسان لا ينبع من كونه لا يجد صحبة بل من كونه لا يجد الصحبة المناسبة , وأنتي صديقتي المناسبة , وعليه فإن وجود شخص تستطيع أن تخبره بما يجول في داخلك بدون أن يسيء فهمك , هي أعظم نعمة ممكن أن تحصل عليها .
يقول جلال الدين الرومي: ((وقد ذقتُ من حلوِ الزمانِ ومرِّهِ فلا الحلو أنساني هواكِ ولا المرُّ)) , وأن كل جزيئات هذا العالم عاشقة , وهي تنقب عن العشاق, والعشق لا يمكن تعلمه , او تعليمه , فالعشق يتنزل كرحمة ربانية, وأنت في عيدك هذا ان أقبلت علي وحياتي تؤذن بالمغيب , طريح لم يبق في صدري سوى نفس واحد , سأعتدل جالسا وأشرع بالغناء , كنت قد سمعت انه في سالف الزمان , كنا جميعا سمك نسبح في المحيط , غير واعين بأنفسنا ولا بالماء , وفي تجل لحبه ورحمته , ألقانا المحيط على اليابسة , وها نحن نتأرجح ونتقلقل , نكابد آلام الفراق ونسميها عشقا , وسوف نظل نراوح ونكبو حتى يستعيدنا المحيط ثانية ,حينها فقط سندرك ان الماء كان على الدوام مثوانا وموطننا . وأنا الذي كدت أجن حتى انتصرت بصحبتها ,علمت متأخرا انه إذا استولى داء المحبة على القلب سرى فى الأعضاء , وإذا استولى على الجوارح نشر خمار المحبة على سائر البدن فيطيش العقل بذكر الحبيب , فيحدث فى القلب استغراق و على البدن سكون فيراه الجاهل فيظنه عتها و جنونا .
ما بين الشهيق والزفير يرجمني الليل اليك اشتياق , تركْتُ بعْضِي لك وتركْتَ بعْضَك لِي فكيْفَ تسْألين : هلْ أنَا لك ؟ أنَا أُمْطِرُ داخلِي كلّمَا رأيْتُ بعْضَك لبعْضِي شجراً, فهلْ تسْكرُ خمْرُك أيّتُهَا المسمرة فِي حانةِ الشّعْرِ؟ حين تختنق مجسات النبض بغصّة, ستضجين بأسئلتك, وإن تغاضيت عن مارق متاهات العتمة, سأبقى مكبلا بشرنقة محتضرة , خرقت حظر التجوال المعلن بين دهاليز القلب , فكان هذا آخر ذنوبي , علها كانت كبوة حلمي الأخيرة . كيف لقلبي أن يخضرّ بلا خفقاتك ؟ وكيف للمسافات أن تزهر وتضيء روحي بلا وميض مقاماتك ؟ حروفك تستعلي بكبرياء, ولا تفصح إلا بإيقاعات مشتعلة يحفها النبض , كأن ألف سنة ونيف مرت وانا أرمم حديقة الورد بطريقة رش الماء والدعاء فلاتدعي خيالك في مواسم الحزن يلازم خط السير باتجاه مجهول , الله على حريرٌ بشرتها, جمالها إله مظلم , لقد تم كشف النقاب عن الغموض , وبقيت وحيداً ألوذ باجزائي , وحيداً في بطن تفاحة سقطت تحت اضراس الأرق , ومن شدة قلقي ربطت عيني بالضوء , وتركت عقلي تركته بلا فكرة يسافر بعيداً نحو شمس الخيال . كلما لثمتُ شفة كأسي تحضرين , يحضر خيالكِ , يحزن عليَّ يُفرِحني يُبكيني ويعـتقـني فـي العـشق, انا الذي في قلبي دنان خمر الأمسِ, لا أصحو من سُكري مذ رأيتكِ وانت تحجبين نور الشمس , منذ ذلك أصبحت عيناكِ مشعلي ونبراسي , دمي فؤادي وروحي قلمي وقرطاسي , كم أهواكِ كم أحبكِ لا عِلم لي , ليس لصبابتي من مقياسِ , أنا ذائبٌ فيكِ متحدٌ بكِ أتحاد نبيذٍ خالدٍ بالكاسِ .
كل عام وأنت حبيبتي .