لم تستطع معظم دول الخيلج العربي أن تصمد كثيرا إزاء الانهيار الكبير في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، حيث هوى سعر الذهب الأسود الذي تعتمد عليه اقتصادات تلك الدول إلى أكثر من النصف في نحو عامين.
وعلى الفور ومع أواخر عام 2015 وبدايات 2016، وتسجيل موازنات معظم دول الخليج عجزا كبيرا، بدأت تلك الدول في تطبيق إجراءات تقشفية طالت قطاعات كبيرة في العديد منها، في محاولة للتصدي أو على الأقل التماشي مع انهيار أسعار النفط.
السعودية، المصدر الأكبر للنفط في العالم، كانت من أوائل الدول التي تضررت من انهيار أسعار النفط، والمحطة الأولى لقطار التقشف والذي يسير بخطى سريعة، على أمل تعويض هذه الانهيارات.
فنتيجة لتراجع أسعار النفط، لجأت السعودية لخفض الدعم عن الطاقة والمياه والكهرباء نهاية العام الماضي.
وتلا ذلك إعلان المملكة في 25 إبريل/نيسان الماضي عن رؤية اقتصادية لعام 2030، تهدف إلى خفض اعتمادها على النفط الذي يشكل المصدر الرئيس للدخل.
وبعد أشهر من الإفصاح عن تلك الرؤية، قامت السعودية بخفض بدلات وعلاوات موظفي الدولة، كما خفضت رواتب الوزراء بنسبة 20%، ومكافآت أعضاء مجلس الشورى بنسبة 15% في محاولة لترشيد الإنفاق.
ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد، ولكن مصادر سعودية مطلعة كشفت قبل أيام، عن خطة جديدة لرفع أسعار المياه والطاقة مرة أخرى مع بداية العام المقبل، من أجل سد عجز الموازنة العامة للدولة.
وتعاني السعودية، أكبر دولة مُصدرة للنفط بالعالم في الوقت الراهن من تراجع حاد في إيراداتها المالية، الناتجة عن تراجع أسعار النفط الخام عما كان عليه عام 2014.
ويتفق خبراء ومحللون اقتصاديون سعوديون، على أن العام المقبل شيكل مرحلة فاصلة في السياسات الاقتصادية السعودية، انتظاراً لما ستؤول إليه توافقات منتجي النفط حول العالم لإعادة الاستقرار للأسعار والأسواق معا، لاسيما مع ارتفاع العديد من أسعار السلع الهامة.
كما أعلنت السعودية مطلع العام الجاري، عن موازنة تتضمن عجزاً يبلغ 87 مليار دولار أمريكي للسنة المالية الحالية، بعد تسجيلها عجزا بـ 98 مليار دولار العام الماضي نتيجة تراجع إيرادات مبيعات النفط الخام.
ولمواجهة العجز المتوقع في الميزانية، جمعت السعودية تمويلا قيمته 17.5 مليار دولار مؤخراً، عبر أول سندات عالمية مقومة بالدولار.
ويبلغ الدين العام السعودي 73 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب الماضي، 63 مليار دولار منها داخلية، و10 مليارات دولار خارجية، ويعادل الدين العام 5.9% من الناتج المحلي للبلاد بنهاية 2015.
الكويت
الكويت، كانت المحطة الثانية لقطار التقشف، حيث تمكنت الحكومة في ظل غياب معارضة حقيقية في البرلمان السابق الذي تم حله وانتخاب بديلا له مؤخرا، من تمرير الكثير من سياساتها وقراراتها التي توصف بـ«غير الشعبية» مع بعض الاعتراضات الجزئية المحدودة من قبل النواب.
ومن هذه القرارات رفع أسعار البنزين والسولار والمحروقات ورفع أسعار تعرفة الكهرباء والماء والشروع في إعداد قانون جديد لفرض ضرائب على الشركات المحلية بواقع 10% من أرباحها الصافية السنوية.
كما شرعت الحكومة في إعداد مشروع جديد لإعادة هيكلة الرواتب والمكافآت والمزايا الوظيفية للعاملين في الحكومة حيث المكان المفضل لأكثر من 90% من القوى العاملة الكويتية وهو ما قوبل برفض حاسم من عمال النفط.
ويقول منتقدو الحكومة إن عليها أن تبدأ أولا بإغلاق ما يسمونه بـ«أبواب الهدر» في المصروفات الأخرى التي تشكل عبئا على الميزانية العامة قبل أن تلجأ للتضييق على المواطن.
ومن هذه الأبواب العلاج بالخارج الذي يهدف إلى علاج الحالات المستعصية من المواطنين في الخارج على حساب الدولة لكن منتقديه يقولون إنه تحول إلى «رحلات سياحية» لترضية المقربين من الحكومة أو النواب.
وحصلت الحكومة في يونيو/حزيران على موافقة البرلمان المنحل على الخطة التي أعلنتها لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط وعرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي، وتهدف إلى إصلاح الميزانية العامة وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص وتفعيل مشاركة المواطنين في تملك المشروعات العامة وإصلاح سوق العمل.
ومع ذلك، يقول خبراء إن سياسة التقشف التي تطبقها الحكومة الكويتية منذ نحو سنتين وتتضمن تقليصا للمزايا المقدمة للمواطنين وتخفيض الدعم عن عدد من السلع والخدمات مرشحة لأن تفجر العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في ظل البرلمان الجديد المنتخب الشهر الماضي، والذي تشكل المعارضة منه جزءا لا يستهان به.
الإمارات
رغم محاولاتها المستمرة لتنويع اقتصادها، إلا أن الإمارات لم تسلم من تأثيرات أسعار النفط، واتخذت هي الأخرى العديد من الإجراءات التقشفية، حيث تعتمد الإمارات بنسبة 30% من اقتصادها على إيرادات النفط.
ومن بين الإجراءات التي طبقتها تحرير أسعار الوقود، واتخاذ خطوات فعلية للبدء في تطبيق ضريبة القيمة المضافة، علاوة على بعض القرارات الأخرى، المتمثلة في فرض رسوم على المطارات والفنادق.
واعتمدت حكومة أبوظبي مؤخرا قرارا باستيفاء رسوم قدرها 35 درهماً (9.5 دولارا) من كل مسافر عند مغادرته عن طريق أي من مطارات الإمارة إلى الخارج، أو محول رحلته على نفس شركة الطيران أو أي شركة أخرى، وذلك مقابل استخدام مرافق تلك المطارات.
وأعلنت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة منتصف العام الجاري، البدء في تحصيل رسوم على الإقامة في فنادق الإمارة، وذلك بنسبة 4% من قيمة فاتورة النزيل، و15 درهماً (4.08 دولارًا) لكل ليلة عن كل غرفة، ابتداءً من مطلع الشهر الجاري.
كما اتخذت الإمارات في يونيو/حزيران 2015 قراراً بتحرير أسعار الوقود، وبعدها رفعت أربع دول أخرى هي: السعودية وقطر والبحرين وسلطنة عمان أسعار الوقود لديها، مطلع العام الجاري.
وتمضي دول مجلس التعاون الخليجي الست الغنية بالنفط، قدماً، نحو تطبيق ضريبة للقيمة المضافة (ضريبة المشتريات) بنسبة 5% بهدف تعزيز الإيرادات التي تراجعت نتيجة هبوط أسعار النفط.
ونقلت تقارير صحفية أواخر مايو/أيار عن مصادر مطلعة – لم تسمها – إن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي يعمل بها نحو 55 ألفاً ألغت مئات الوظائف في الأشهر الأخيرة، وستقلص أعداد العاملين فيها بنحو 5000 على الأقل بنهاية 2016.
قطر
رغم أنها استطاعت بما لديها من احتياطيات هائلة من الغاز وأرصدتها الخارجية بمليارات الدولارات وصغر عدد سكانها أن تتحمل هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014 بشكل أفضل من كثير من جيرانها في الخليج.
غير أن تراجع إيرادات قطر من الطاقة يجيء في وقت تعمل فيه الدوحة على تنفيذ برنامج تبلغ استثماراته 200 مليار دولار لتحديث بنيتها الأساسية استعدادا لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها وبناء موانئ ومستشفيات وضغط الإنفاق، الذي أدى إلى تخفيضات في الميزانية.
وقد تحمل العاملون الأجانب الذين يشكلون الجانب الأكبر من سكان قطر البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة العبء الأكبر لهذه التخفيضات وفقد الآلاف وظائفهم بينما سعت الحكومة لحماية مواطنيها من عواقب التقشف.
لكن قطر أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم تواجه عجزا في الميزانية يبلغ 12.8 مليار دولار هذا العام يمثل أول عجز من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات كما أنها خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي إلى النصف.
ومؤخرا، بدأ المسؤولون القطريون يطالبون العاملين بأجهزة الحكومة في قطر بأمور مثل السفر على الدرجة السياحية بدلا من الدرجة الأولى والاشتراك في حجرة مكتب واحدة وإلغاء اشتراكات المطبوعات الدورية إذ فرض انخفاض أسعار النفط التشقف على أعلى مواطني العالم دخلا من حيث نصيب الفرد من الدخل.
البحرين
شأنها شأن دول خليجية أخرى تضررت البحرين من انخفاض أسعار النفط، وعمدت إلى اعتماد خطط لرفع الدعم عن اللحوم والوقود والكهرباء والمياه، لا سيما تمتلك احتياطيات نفطية ونقدية أقل مقارنة بجيرانها.
ففي نهاية العام الماضي، رفعت البحرين أسعار لحوم الأبقار والدواجن لأكثر من مثليها مع قيامها بإلغاء دعم اللحم، كما رفعت الحكومة سعر بيع الغاز الطبيعي إلى المصانع.
وقبل أشهر أقرت لجنة مراجعة أسعار الجازولين، في اجتماعها الأول بالبحرين، مراجعة أسعار الجازولين سوبر 98 أوكتين.
سلطنة عمان
السلطنة هي مصدر صغير للنفط، وليست عضوا في «أوبك»، وتحوز احتياطيات مالية واحتياطيات من الطاقة أقل من جيرانها الخليجيين الأثرياء، مما دفع الحكومة والكيانات الحكومية للبحث عن مصادر تمويل خارجية، بشكل أكبر من ذي قبل، للتكيف مع تأثير هبوط أسعار النفط.
وعلاوة على ذلك، اعتمدت السلطنة بعض خطط التقشف لمواجهة انخفاض أسعار النفط أيضا، حيث تبنت إجراءات لخفض الإنفاق وزيادة الدخل من بينها خفض الدعم على الوقود والكهرباء.
كما أنها سترفع أسعار الكهرباء لكبار المستهلكين في الحكومة والقطاعين التجاري والصناعي اعتبارا من مطلع العام المقبل.
وفي أكتوبر/تشرين أول الماضي، قال الرئيس التنفيذي لـ«البنك المركزي العماني»، «حمود بن سنجور الزدجالي» إن حكومة بلاده تخطط لتغطية ما بين 60 و70% من عجز موازنة هذا العام، من خلال الاقتراض الدولي بما يشمل إصدار سندات دولية وأدوات أخرى للدين.
الغريب أنه رغم الإجراءات سالفة الذكر والتي لم تسلم منها دولة خليجية واحدة، إلا أن معظم تلك الدول أعلنت عن تسجيل عجزا في موازناتها للعام الجديد، وهو ما يعني، بحسب مراقبين، أن جولة أخرى لهذا القطار ستكون أشد قسوة خلال 2017.
وكالات