العنصرية بين البعد التأريخي والتأثير الاقتصادي

جمعة, 07/12/2024 - 19:06

 

 

ميس خالد

العنصرية , تلك الكلمة المقيتة معنا وتطبيقا ، حيث ألقت بظلالها السامة على الفئة الأكبر من المغتربين والجالية العربية منهم تحديدا . وللعنصرية اشكال عديدة من الممارسات : دينية ، عرقية ، جنسية ، مالية ... العنصرية لغويا هي الاعتقاد بتفوق فئة أو عرق معين على الآخرين ، وهي فكرة قديمة تعود جذورها إلى عصور ما قبل التاريخ . على مر العصور، لعبت العنصرية دوراً كبيراً في تشكيل المجتمعات وتحديد العلاقات بين مختلف المجموعات العرقية والإثنية .

 
تأريخ العنصرية :

1- العصور القديمة
في العصور القديمة، كان التمييز العرقي يظهر بشكل رئيسي في صورة التمييز على أساس الانتماءات القبلية والعرقية . في مصر القديمة واليونان وروما ، كان هناك تمييز بين الأحرار والعبيد ، وكانت الحروب والفتوحات تؤدي إلى استعباد الشعوب المغلوبة .

2- العصور الوسطى
في العصور الوسطى، استمرت أنماط التمييز العرقي والإثني، ولكنها بدأت تتخذ أشكالاً أكثر تعقيدًا مع انتشار الديانات المختلفة. كان هناك تمييز ديني قوي بين المسيحيين والمسلمين واليهود، وقد تم توجيه العديد من حملات الاضطهاد ضد اليهود في أوروبا في تلك الفترة .

 
3- العصور الحديثة
بدأت العنصرية تأخذ شكلاً أكثر تنظيماً في العصور الحديثة مع بداية الاستكشافات الأوروبية في القرن الخامس عشر. أدت الفتوحات الاستعمارية إلى استعباد الشعوب الأصلية في الأمريكتين وأفريقيا وآسيا، وتأسيس تجارة العبيد التي كانت واحدة من أفظع أشكال العنصرية في التاريخ .

3- تجارة العبيد
أصبحت تجارة العبيد عبر المحيط الأطلسي بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر جزءاً أساسياً من الاقتصاد العالمي . تم نقل الملايين من الأفارقة قسراً إلى الأمريكتين ليعملوا في مزارع السكر والقطن والتبغ . تم تبرير هذه الممارسات بأفكار عنصرية تدعي دونية الأفارقة .

4- فترة الاستعمار
في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بلغت العنصرية ذروتها مع توسع الإمبراطوريات الأوروبية في إفريقيا وآسيا . كانت النظرية العرقية الأوروبية تقوم على الاعتقاد بأن الشعوب غير الأوروبية أقل تطوراً وأقل إنسانية ، ما برر استغلالها واستعمارها .

 
5- القرن العشرين
شهد القرن العشرون محطات مهمة في مكافحة العنصرية . مع الحربين العالميتين وظهور الحركات الوطنية في المستعمرات ، بدأت تنمو الحركات المناهضة للعنصرية .

6- الحركة الحقوقية في الولايات المتحدة
في الستينيات ، قادت شخصيات مثل مارتن لوثر كينغ جونيور حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة ، والتي سعت إلى إنهاء التمييز العنصري وتحقيق المساواة للأمريكيين الأفارقة .

 
7- نهاية الأبارتايد
في جنوب أفريقيا ، ناضلت حركة التحرير بقيادة نيلسون مانديلا ضد نظام الأبارتايد (الفصل العنصري) الذي تم تطبيقه بشكل رسمي منذ عام 1948 حتى تم إسقاطه في عام 1994.

 
8- العصر الحالي
لا يزال التحدي ضد العنصرية قائماً في القرن الحادي والعشرين . على الرغم من التقدم الكبير في مجال الحقوق المدنية والمساواة ، إلا أن هناك حالات عنصرية وظلم تستمر في العديد من المناطق حول العالم. الحركات مثل "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) تواصل النضال من أجل العدالة والمساواة .

 
 

العنصرية هي قضية اجتماعية وسياسية تؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي العالمي . يمكن أن تظهر العنصرية بأشكال مختلفة، بدءًا من التمييز المباشر في مكان العمل إلى السياسات الاقتصادية التي تستهدف مجموعات معينة . تأثيرات العنصرية على الاقتصاد يمكن أن تكون واسعة ومتعددة الجوانب، وسأناقش بعضًا منها فيما يلي :-

 

1- انخفاض الإنتاجية الاقتصادية :
التمييز العنصري يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية الاقتصادية. عندما تُمنع مجموعات معينة من الحصول على فرص متساوية في التعليم والتوظيف، يُحرم الاقتصاد من استغلال كامل إمكانيات هذه المجموعات. الدراسات تشير إلى أن التنوع والشمول في مكان العمل يعززان الابتكار والإنتاجية.

2- التفاوت في الدخل والثروة :
العنصرية تؤدي إلى تفاوت كبير في الدخل والثروة بين المجموعات العرقية. هذا التفاوت يعزز الفقر ويؤدي إلى دورة من الفقر تستمر عبر الأجيال. الفجوة في الثروة تعني أن بعض الأفراد والمجتمعات لديهم فرص أقل للاستثمار في التعليم، الأعمال، والممتلكات، مما يحد من إمكانياتهم الاقتصادية.

3- النفقات الحكومية العالية:
التمييز العنصري يمكن أن يزيد من النفقات الحكومية في محاولاتها لمعالجة الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج عن العنصرية. يتطلب مكافحة الفقر، تحسين الصحة العامة، وتوفير الإسكان والتعليم للأقليات العرقية استثمارات كبيرة من الدولة.

4- عدم الاستقرار الاجتماعي:
العنصرية يمكن أن تؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد. الاحتجاجات، الاضطرابات، والعنف الناتج عن التمييز العنصري قد يعيق النشاط الاقتصادي، ويثني المستثمرين عن الاستثمار في مناطق معينة.

 5- التأثير على التجارة الدولية:
العنصرية يمكن أن تؤثر على العلاقات التجارية بين الدول. الدول التي تمارس سياسات تمييزية قد تواجه ضغوطًا وعقوبات اقتصادية من المجتمع الدولي، مما يضر بتجارتها واقتصادها.

6- تأثيرات الصحة العامة :
التمييز العنصري يؤدي إلى تفاوتات صحية كبيرة بين المجموعات العرقية. الصحة الضعيفة تعني قدرة أقل على العمل والإنتاجية، مما يؤثر بدوره على الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، تكاليف الرعاية الصحية المرتفعة بسبب المشاكل الصحية الناتجة عن العنصرية تزيد من الأعباء الاقتصادية على الأفراد والمجتمع.

7- تأثيرات التعليم:
التمييز في النظام التعليمي يؤدي إلى مستويات تعليمية متدنية لبعض المجموعات العرقية، مما يحد من فرصهم في سوق العمل ويقلل من دخلهم وإنتاجيتهم.

 8- السمعة الدولية:
الدول التي تُعرف بسياسات وممارسات عنصرية قد تجد صعوبة في جذب المواهب والاستثمارات الأجنبية. السمعة السيئة تؤثر على العلاقات الدولية ويمكن أن تؤدي إلى عزلة اقتصادية.

 

مكافحة العنصرية ليست فقط ضرورة أخلاقية بل هي أيضًا ضرورية لتحقيق اقتصاد عالمي متوازن ومستدام. تتطلب معالجة العنصرية سياسات شاملة تشمل التعليم، الصحة، التوظيف، والإسكان لضمان تكافؤ الفرص للجميع. تحقيق العدالة الاجتماعية يعزز الاقتصاد من خلال استغلال كامل الإمكانيات البشرية ويؤدي إلى مجتمعات أكثر استقرارًا وازدهارًا .

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف