الرجال القادة..

ثلاثاء, 12/31/2024 - 20:54

محمد جواد الميالي
جوهر التحولات الكبرى التي تشهدها المجتمعات، ورأس الحربة في التغير عند الأمم، هم القادة، فهم ليسوا
مجرد أشخاص يتولون مناصب عليا، بل هم من يمتلكون الرؤية للواضحة للمستقبل..
هذا الوضوح سيكون مفتاحاً لإلهام الشعوب، ودفعها نحو التغيير الإيجابي، فالقائد الحقيقي لا يقتصر دوره على
إدارة الشؤون اليومية، بل يمتد إلى صياغة الوعي المجتمعي، وغرس قيم التضامن، وتعزيز الهوية الوطنية،
وكل ذلك يُفضي إلى بناء مجتمع متماسك، يساهم في إنشاء دولة حديثة قوية ومستقرة.
عندما نتأمل في التجارب التاريخية، نجد أن الدول التي تمكنت من النهوض وتجاوز الأزمات، كانت تلك التي
ظهر فيها قائد استثنائي، نجح في تحويل المعاناة إلى دافع للبناء، فهو ليس فقط من يقود المعارك، بل من يُحيي
الروح الوطنية في نفوس الأفراد، فيجعلهم يدركون أن مشروع الوطن، أكبر من المصالح الفردية الضيقة.. وهنا
يتجلى دور القادة، في تحويل المجتمع، من كيان هش تسوده النزاعات، إلى مجتمع واعٍ يساهم بفاعلية في بناء
الدولة.
المنطق الواقعي أثبت أن بناء الدولة الحديثة، لا يمكن أن يتم في ظل مجتمع ممزق يفتقر إلى الوعي، وإنما
يحتاج إلى عمل، لتعزيز قيم الوحدة الوطنية.. كما يحتاج إلى خطابات، تحث على التسامح ونبذ الفرقة، والدعوة
مراراً إلى أن يكون المواطنون، شركاء في مشروع وطني واحد، بغض النظر عن الانتماءات الطائفية أو
العرقية، فالشعب الموحد هو القاعدة الأساسية لبناء الدولة الحديثة، وإن ردم الفجوات بين مكونات المجتمع،
يساهم في تدعيم هذه القاعدة.
في الحالة العراقية، تبرز شخصية الشهيد محمد باقر الحكيم، كأحد النماذج القيادية الملهمة، لأنه جسّد صورة
القائد الوطني، الذي كرس حياته لمواجهة الدكتاتورية، وسعى بكل ما أوتي من قوة، إلى بناء مجتمع قادر، على
المشاركة في مشروع الدولة الحديثة..
لم يكن السيد الحكيم قائداً سياسياً عادياً، بل كان رمزاً لمشروع وطني أوسع، يهدف إلى استعادة الكرامة
والعدالة، وبناء مجتمع، يحمل في داخله بذور الدولة العادلة.
يبقى السؤال الدائم إلى يوم الاغتيال الغاشم.. لماذا شهيد المحراب؟
لقد كان سماحة السيد رجلاً مجاهداً، وقائداً سياسياً فذاً، و أباً لكل العراقيين، قاد حركة مقاومة شرسة ضد النظام
الدكتاتوري، لم يقلل من عزيمته إعدام ٦٣ من أفراد عائلته، بل زاده عزماً وإصراراً، وقال على لسان جدته
زينب الكبرى عليها السلام "أن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى" وهو ما جعله رمزاً للنضال الشعبي،
وصوتاً للمظلومين في العراق.
كان يؤمن بأن الحرية السياسية وحدها لا تكفي، وأن هناك حاجة إلى تحرير العقول والقلوب، فقال مقولته
الشهير "مرجعيتنا النجف" وأشار في كلتا يديه للجموع المرحبة "أنتم اصحاب القرار" ليؤكد على أن الشعب
شريك فعلي في مشروع بناء الدولة.
إن السيد محمد باقر الحكيم، مثّل نموذجاً رفيعاً، للقائد الذي يدرك أن مقاومة الظلم، ليست فقط بالسلاح، بل
بالفكر والوعي والبناء، كان يسعى إلى تحويل الوعي العراقي، من حالة الغضب العشوائي، إلى مشروع وطني
متكامل، لقد كانت رؤيته أن الدولة الحديثة، هي تلك التي يتشارك أبناؤها في بنائها، وليس فقط تلك التي تُدار
عبر قرارات السلطة.
أن شهيد المحراب (قدس) من القادة العظام، الذين يدركون أن بناء الدولة الحديثة لا يتم بالقوة وحدها، بل عبر
إشراك الشعوب في القرار وابعاد التدخلات الخارجية، التي عملت على أن ترتقي به شهيداً بجوار جده أمير

المؤمنين عليه السلام، ليعيش قائداً مخلصاً للدين والوطن، ويُبعث فكرةً خالدة في عقول العراقيين، قد تلاشى
الجسد الطاهر ولكن الفكر والعقيدة مازالت خالدة فينا، السلام عليك يوم النضال والجهاد و يوم الاستشهاد

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف