
عامر عبد المنعم
منذ سقوط نظام بشار الأسد تسعى الدول الغربية للتدخل في سوريا والتحكم في إدارة المرحلة الانتقالية، وعدم ترك الثوار يبنون سوريا الجديدة بحرية واستقلال، وكدأب القوى الاستعمارية منذ تقسيم العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الأولى؛ فإن التلاعب بالأقليات هو الورقة المفضلة للمكر المعادي، وذلك بتشجيع الميول الانفصالية، ودعم القيادات الموالية للغرب، وتقديم الوعود الكاذبة بالمساعدة في إقامة دويلات للطوائف لمنع الاستقرار ولتفكيك الدول . رغم كل التطمينات التي يقدمها الرئيس السوري أحمد الشرع باحترام كل المكونات في سوريا الموحدة، وحقن الدماء، والحرص على حل الخلافات، وتفضيل التفاوض على الحسم العسكري، فإن مواقف قادة الأقليات الثلاث الأكراد والعلويين والدروز دون باقي الطوائف؛ تميل نحو إعلان العداوة، ورفض الانصياع للتغيير الذي تم، والاستمرار في التمرد وإعلان الحرب، بل والمجاهرة بالخيانة بالتحالف مع الإسرائيليين والاستقواء بالخارج .
لم يتعلم قادة التمرد في سوريا من التاريخ؛ فالأمان والسلام لم يكونا إلا في حضن الأغلبية العربية التي عاشوا في حضنها قرونا، وليس في التحالف مع الدول الغربية الاستعمارية التي تستخدمهم مرتزقة وقوات حراسة، تبيعهم وتتخلى عنهم في أي لحظة عندما تقتضي مصالحها ذلك، فالأكراد هم أكثر الشعوب التي غدرت بها الدول الغربية منذ سايكس بيكو، حيث تم تقسيمهم بين أربع دول، وتلاعب بهم الإنجليز والفرنسيون والروس وأخيرا الأمريكيون، ولم يعطوهم دولة مثل جزر وشعوب صغيرة في مجاهل البحار والمحيطات، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون سنة، لهم تاريخ إسلامي مقاوم ضد الاحتلال الغربي لا يمكن نسيانه . الأكراد شعب مسلم، لهم دور بارز في التاريخ الإسلامي، وقد اعتنقوا الإسلام في عهد سيدنا عمر بن الخطاب واستجابوا للدعوة بسرعة، فلم يحدث أن خاضوا معارك كبرى ضد الجيش الفاتح، وقدموا للأمة قادة وعلماء في كل المجالات، فمنهم صلاح الدين الأيوبي الذي وحد الشام ومصر وهزم الصليبيين وحرر بيت المقدس، وينتمي إليهم الكثير من مشاهير العلماء، منهم ابن تيمية إمام علماء السنة، وظلوا يجاهدون دفاعا عن الدين مع الأمويين والعباسيين، ثم مع الدولة العثمانية في كل حروبها.
لقد انضم الأكراد إلى الألوية الحميدية وقاتلوا ببسالة مع السلطان عبد الحميد في السنوات الأخيرة للسلطنة العثمانية ضد الغزو الروسي، وقاد علماء الأكراد الثورات ضد الانقلاب العلماني للاتحاد والترقي في انتفاضة الشيخ سعيد البرزنجي عام 1909، وقاموا بالثورة ضد كمال أتاتورك رفضا لإلغاء الخلافة في 1925 بقيادة الشيخ سعيد بيران، ومنهم الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي مؤسس الحركة الإسلامية المعاصرة في تركيا، وهو أستاذ نجم الدين أربكان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو صاحب رسائل النور التي كان يكتبها من السجن وتربى عليها الشباب الذي يقود تركيا الآن . عندما استطاع الشيخ محمود الحفيد إقامة دولة كردية في السليمانية (1918- 1920) وبدأ يتوسع لإقامة كردستان الكبرى هاجمه الجيش الإنجليزي في معارك عديدة، وأسروه ثم نفوه إلى الهند، ثم أعادوه عام 1922 لتهدئة الانتفاضات الكردية المسلحة في العراق، ولكنهم قرروا التخلص منه بسبب تمرده ومقاومته للاحتلال الإنجليزي . لامتصاص غضب الأكراد وعد الإنجليز بإقامة دولة لهم، وتعهدوا بذلك في معاهدة سيفر عام 1920 لكنهم تجاهلوا الوعد في معاهدة لوزان عام 1923 التي لم تشر إلى الدولة الكردية لا من قريب ولا من بعيد، خاصة مع ظهور النفط في الموصل وحرص الإنجليز على الاستحواذ عليه في إطار الدولة العراقية التي يحتلونها . الأكراد في إيران من جهتهم حاولوا تحقيق حلمهم في إقامة دولتهم بالتعاون مع الروس؛ فأسس القائد العسكري إسماعيل سمكو دولة في كردستان إيران (1920- 1926) لكنهم لم يحموه وتركوه يواجه الشاه الإيراني الذي قضى على الحلم الكردي بدعم الإنجليز، وفي الحرب العالمية الثانية عندما دخل الروس شمال إيران سمحوا للأكراد بإقامة جمهورية كردية ذات حكم ذاتي بقيادة القاضي محمد في يناير 1946 في مهاباد، ولكن الروس تخلوا عنهم مقابل امتياز من الإيرانيين لاستخراج النفط وبالتوافق مع الإنجليز، ولم تكمل هذه الجمهورية العام ، حيث انسحب الروس ودخل الجيش الإيراني عاصمتهم في 17 ديسمبر/كانون الأول 1946 وأسقط الحكومة وتم إعدام القاضي محمد وحكومته وتعليقهم على أعواد المشانق.
