
لؤي الموسوي
يعد البعض هذه الزيارة بالأستفزازية او تحمل طابع التشفي، سيما ان توقيتها أقترن يوم سقوط نظام صدام، لما تمثله هذه المدينة من رمزية كونها مسقط رأس رئيس النظام المخلوع و اركان نظامه و عشيرته و انصاره.
المتتبع لسيرة الحكيم و منهجه حيث الوسطية و الأعتدال، يعرف ما هي مديات هذه الزيارة بهذا التوقيت، و ما تحمله من رسائل إيجابية، لا كما يصورها البعض.. العكس من ذلك تحمل رسائل منها دعم الأستقرار في المحافظة، والحفاظ على المكتسبات الوطنية التي تحققت على الأرض، والدفع بعجلة البناء و الأعمار، فضلاً عن حث أهلها في المشاركة الواسعة للأنتخابات البرلمانية القادمة، و إختيار الأنسب فيها..
تفكير البعض محدود لا يتعدى اطراف اصابعه! .. وهو ينم عن ما في داخله، و لا يفسر ارض الواقع و ما تفرضه المعطيات، فالتاريخ الصحيح ينقل لنا، أنه في واقعة الطف التي أستشهد فيها السبط الشهيد و اخوته و اهل بيته و انصاره “عليهم وألهم أفضل الصلوات“ وحين جاء الدور لأخيه العباس واخوته، تقدم قائلاً لأخوته: ابرزوا لكِي أُرزء بكم، بمعنى أحصل أجر الشهادة التي سترزقون بها، يأتي كاتب متقولاً عن العباس ابرزوا لكي أرِثكم! وهذا يترجم ما في داخله لا ما في نفس العباس، فاي أرث وهو بعد لحظات سيلحق بهم.. فمن يصف زيارة الحكيم إلى تكريت بالأستفزازية سيما في هذا الوقت، ولا يعلم ان سيرة أهل البيت، ممن تربى على نهجهم، لا يوجد في قاموس حياته لغة التشفي او الأستفزاز والشواهد كثيرة نستعرض منها..
حين جاء رسول الله “صلى الله عليه وآله“ لفتح مكة مع اصحابه قال احدهم: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة! رده النبي وقال يا علي اذهب وخذ الراية ونادي بهذا النداء “اليوم يوم المرحمة اليوم تصان الحُرمة“، على الرغم ما فعلته قريش بالنبي وأهل بيته وأصحابه في بداية الدعوة الإسلامية، مع ذلك كان يحمل الرحمة و يبعث برسائل الطمأنينة لمن كان يجاهره بالعداء صباح مساء، وممن جيش عليه الجيوش وهو ابو سفيان، فقال من دخل دار ابو سفيان فهو آمن هذا موقف من مواقف، كذلك موقف أمير المؤمنين علي بن ابي طالب “عليه السلام“ في واقعة الجمل، بعد انتهاء المعركة رغم ما خلفته المعركة من قتلى مع هذا الجو المشحون اعطى الأمآن للمراة ومن كان معها في الخيمة الذين تسببوا في إراقة الدماء، كذلك موقفه في صفين حين استولى معاوية على الماء و منعهِ عن جيش علي “عليه السلام“، في اليوم الثاني تمكن الإمام من استعادة الماء، مع ذلك لم يحرم جيش معاوية من سقي الماء، مثال آخر في يوم عاشوراء حين نظر الإمام الحُسين “عليه السلام“ كثرة من جاء لقتاله بكى لأجلهم فقيل مما بكائك يابن رسول الله قال بكيت لأنهم سيدخلون النار بسببي! اي نفس يحملون بحيث يبكون على من جاء لقتلهم ويرحمون من يعاديهم ويبغضهم، الإمام السجاد “عليه السلام“ كان يتولى رعاية عوائل الامويين الذين قتلوا والده وأهل بيته حين ثار اهل المدينة عليهم! هذا هو نهج مُحَمَّد وأهل بيته مع من يكن لهم العداء ويعلن البغضاء، وسار على هذا النهج ممن تمسك بهم وتربى في مدرستهم.. تعرضت الحوزة العلمية و مراجع الدين إلى القمع و الاضطهاد و القتل و التشريد على يد صدام وحزب البعث، لم يسلم من جوره احد، عمد على إبادة جماعية في مقدمتها الأسر العلمية الحوزوية في طليعتهم آل الحكيم وباقي الأسر العلمية مع ذلك لم يقابلو اعدائهم بالمثل، كانوا يحملون المسؤولية لمرتكب الجريمة وليس لذويه، حين زال حكم البعث لم ينبري مرجع من مراجعنا باصدار فتوى القصاص منهم وممن يرتبط بهم،
بل دعوا إلى التهدئة والطمأنينة عبر معتمديهم ووسائل الإعلام لأسرهم، ان القصاص لا يقع إلا على مرتكب الحريمة ويكون عبر القانون لا الإنتقام الشخصي.
الزيارة لا تحمل طابع التشفي، كما يريد البعض تصويرها وحرفها عن مسارها، لإثارة النعرة العنصرية والمذهبية لدى ضعاف النفوس؛ الذين يرقصون على معاناة المواطن، وإنما تحمل من الود والطمأنينة لاهل المحافظة باننا دُعاة سلام ووحدة ووئام، نحن للكل وليس لفئة دون أخرى نعمل سوياً لبناء عراق مزدهر مستقر ينعم أبناءه بخيرات وثروات هذا البلد دون تمييز، ولا ننظر لهذه المدينة كونها من فيها هم مشتركون بما كان يفعله النظام البائد، ولا نحملهم جريرة غيرهم منطلقين من قول الله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}. عكس ما كان ينظر صدام وازلامه وانصاره لمدن الوسط والجنوب والشمال بنظرة دونية على انهم من الدرجة العاشرة! وليس الثانية او الثالثة. كما كان بعض كُتاب التاريخ والسير يجعلون الإمام علي و معاوية على حدٍ سواء! و لم يجعلوه بمستوى الثلاثة الذين سبقوه في الخلافة!
