مفارقات الحضور العربي بين قمة بغداد ولقاء الرياض

أربعاء, 05/21/2025 - 13:32

   كل قادة الدول الخليجية الست، ومعهم الرئيس السوري احمد الشرع، حضروا الى العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة في لقاء "قمة" مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قام بأول جولة له في منطقة الشرق الأوسط، منذ دخوله البيت الأبيض مجددا قبل أربعة  شهور، شملت كل من السعودية وقطر والامارات.

   بيد ان بعض-او اغلب-هؤلاء القادة اعتذروا ولم يحضروا في قمة بغداد العربية الرابعة والثلاثين، التي عقدت يومي السابع عشر والثامن عشر من شهر أيار-مايو الجاري، ومعهم  قادة عرب اخرين، من بينهم  الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس اللبناني العماد جوزيف عون، والرئيس السوري احمد الشرع، والملك المغربي محمد السادس، وربما اخرين.

   قد تختلف وتتباين أسباب ومبررات وظروف غياب كل واحد من هؤلاء القادة والزعماء، في الوقت الذي حضرت شخصيات اجنبية بصفة ضيوف، مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز، وممثلين عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتركيا ودول أخرى.        

   ولاشك ان عدم الحضور في مثل هذا المحفل السياسي العربي، وان كان واضحا طبيعة ومستوى نتائجه ومخرجاته، يطلق رسائل واشارات غير طيبة، بعضها قد يعكس قدرا من البرود في العلاقات بين البلد المضيف، والأخر الذي حضر وشارك بمستوى سياسي اقل من المستوى المطلوب والمفترض، وبعضها قد يؤشر الى وجود مخاوف وهواجس امنية معينة، وبعضها الاخر ربما ينطوي على تلميحات بوجود عوامل خارجية وراء عدم الحضور بالمستوى المطلوب والمفترض.

   ولعل القراءة الاجمالية العامة لـ"مقاطعة" عدد من الرؤساء والملوك والامراء العرب لقمة بغداد، لايمكن ان تتضمن أسباب ومبررات موضوعية مقنعة لتلك المقاطعة، ما عدا الرئيس السوري احمد الشرع، اذ ان خلفيته "الإرهابية" على الساحة العراقية، وطبيعة الأجواء السياسية والشعبية الرافضة لمجيئه، التي توضحت وتبلورت خلال الشهرين المنصرمين، انتجت رؤية مشتركة من بغداد ودمشق، مفادها ان غياب الشرع افضل من حضوره، وان كان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد وجه دعوة رسمية له، وفقا للسياقات والأعراف البرتوكولية المعمول بها في النظام الداخلي لجامعة الدول العربية.

   قبل ثلاثة عشر عاما، وتحديدا في عام 2012، حينما استضافت بغداد القمة العربية الثالثة والعشرين، كان مبررا الى حد ما، عدم التفاعل العربي مع القمة، لان المشهد الأمني العراقي كان مايزال يعاني من الارتباك والاضطراب والفوضى، بسبب إرهاب الجماعات والتنظيمات التكفيرية المسلحة، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة، التي حظيت بدعم واسناد سياسي ومالي واعلامي ومخابراتي غير مسبوق من عدة اطراف عربية، تبنت اجندات ومشاريع تخريبية لاسقاط النظام السياسي الجديد وافشال التجربة الديمقراطية الناشئة في العراق.

   وفي ذلك الحين، أي قبل ثلاثة عشر عاما، كانت الظروف والاوضاع السياسية العراقية، وارتباطا بالظروف والأوضاع الأمنية، والتجاذبات والخلافات والتناحر بين الفرقاء السياسيين، تمتاز بإنعدام الاستقرار المطلوب، وبالتالي هشاشة منظومات ومؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الحكومة.

   وفي ذلك الحين، وتحديدا في عام 2012، كان العراق معزولا او شبه معزول عن محيطه العربي وفضائه الإقليمي، وكان ينظر اليه على انه بؤرة للمشاكل والأزمات، ونموذجا للفوضى بشتى اشكالها وصورها، حتى ان الكثيرين كانوا يشبهونه بأفغانستان والصومال!.

   لكن بعد اكثر من عقد من الزمن، تغيرت الصورة كثيرا، وتبدلت المظاهر والاحوال، اذ واجه العراق تحديات وتهديدات امنية خطيرة، حينما اجتاح تنظيم داعش ثلث مساحته الجغرافية صيف عام 2014، ونجح بعد أعوام قلائل في الحاق الهزيمة به، وشيئا فشيئا اخذ الامن يستتب في مختلف المدن والمناطق، مقرونا بتعايش مجتمعي وتوافق سياسي ملحوظ، فتح افاقا رحبة للنهوض الاقتصادي، وان بإيقاع بطيء، وانفتاح على الفضائين الإقليمي والدولي، بدت معطياته ومظاهره واضحة وجلية الى حد كبير، عبر حراك سياسي ودبلوماسي واقتصادي وثقافي بمختلف الصعد والمستويات والميادين.

   وبمرور الوقت، بات العراق طرفا أساسيا ومحوريا في الحلول والمعالجات بعدما كان جزءا من المشاكل والأزمات، واصبح يمثل بيئة جاذبة للتفاهم والحوار، ومكانا مناسبا للعمل والاستثمار، ونقطة تلاقي للخصوم والاعداء.

   هذا من جانب، ومن جانب اخر، فأن الظروف والتحديات والمصاعب التي تواجهها  بعض الشعوب العربية، لاسيما الشعب الفلسطيني، تحتم على الزعماء العرب بمستوياتهم العليا ان يلتقوا ويبحثوا في اليات وامكانيات مساعدة ومساندة إخوانهم واشقائهم في فلسطين واليمن وسوريا والسودان وغيرهم، وكانت قمة بغداد، افضل مناسبة ومحفل لذلك، فيما اذا كانوا صادقين في ادعاءاتهم وشعاراتهم الداعمة لفلسطين.

   صحيح ان القضية الفلسطينية تصدرت جدول اعمال قمة بغداد العربية الرابعة والثلاثين، الا ان ذلك لم يكن كافيا، لان القرارات الكبرى والخطوات المهمة، تحتاج الى حضور قوى وفاعل، ومصداقية تترجم الاقوال الى أفعال.

   من الصعب بمكان الوصول الى تفسير مقنع ومقبول لحضور لقاء الرياض مع ترامب، و"مقاطعة" قمة بغداد في العراق، علما ان اولوية لقاء الرياض تمثلت ببحث كيفية تحويل المليارات من ثروات الخليج الى ألاسواق الأميركية، بينما تمثلت أولوية قمة بغداد بالبحث عن سبل انقاذ الشعب الفلسطيني من اجرام الكيان الصهيوني، ووضع حد لمأساته الإنسانية التي ما كان لها ان تحصل وتتكرر لولا دعم ومباركة وتشجيع واشنطن وعواصم الغرب، وصمت وتخاذل عواصم العرب.    

عادل الجبوري*

*كاتب وصحافي عراقي 

 

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف