رغم الصفقة التاريخية التي عقدها آل سعود مع آل الشيخ لتقاسم السلطتين السياسية والدينية، إلا أن تيارات جديدة ظهرت على الساحة محاولة اسقاط الحلف وانتزاع السلطتين، وكانت فتاوى تكفير المعارضين جاهزة، فيما ترصدهم سيف السلطات التنفيذية لسفك دمائهم قبل أن يجف حبر الفتوى، إلا أن بعض التيارات نجحت في تحقيق الاختراقات ولم ينجح معها التكفير ولا القتل مما حولها الى حركات شعبية يجب على السلطات تحمل وجودها والتعامل معها سياسيا بعد أن كانت في السابق ترد عليها بحد السيف.
وتعد السعودية من أغنى دول العالم الثالث في الشرق الأوسط، واستطاعت أن تحصل على مكانة استراتيجية في أسواق الطاقة بالاعتماد على انتاجها أكثر من 10 ملايين برميل من النفط كل يوم. ومن جهة أخرى أدى التقارب السعودي الكبير مع الغرب الى جعل آل سعود حلفاء للاعبين الدوليين الأقوياء وعلى رأسهم الولايات المتحدة؛ إلا أن ذلك لم يمنع ظهور تيارات مناوئة لحكمهم.
وقد شهدت السعودية تطورات هامة إثر تبلور التيارات السياسية في سبعينيات القرن الماضي. وسميت هذه التطورات بصورة عامة باسم “الصحوة الإسلامية”. ويطلق اسم تيار الصحوة الإسلامية في السعودية على جميع التيارات الرافضة للمسار السياسي للبلاد. وعلى الرغم من أن بعض هذه التيارات لها توجهات ليبرالية، ولكنها بصورة عامة تُصنف ضمن إطار الصحوة الإسلامية. وحاول “ستيفان لاكروا” من خلال كتبه ومقالاته أن يثبت أن هذه التيارات لها توجهات مختلفة من تيارات راديكالية، وصولا إلى تيارات علمانية، شيعية وليبرالية، وإن هذه التيارات تسمى بصورة عامة بالصحوة الإسلامية.
وقد أثرت عوامل مختلفة على ظهور تيار الصحوة الإسلامية في السعودية، منها وجود شقيق السيد قطب، محمد قطب في الجامعات السعودية وتأكيده على فكر توحيد الحاكمية وانتقاداته اللاذعة لنظام الحكم. كما أن الثورة الإسلامية في إيران وقيام حكم إسلامي وفقا للتعاليم الإسلامية أثرا تأثيرا كبيرا على أفكار الإسلاميين السلفيين في منطقة الخليج بصورة عامة وفي السعودية بصورة خاصة. إن صدور فتوى الجهاد إبان الحرب في أفغانستان وتوجه أكثر من أحد عشر ألفا من السعوديين الى ذلك البلد يعكس مدى نشاط القوى الإسلامية في السعودية.
ويرى بعض المنظرين أنه لولا احتلال فلسطين وارسال أعداد كبيرة من القوى الإسلامية للجهاد في أفغانستان، لأدت تعاليم محمد قطب وشيوع تيار الاخوان المسلمين في السعودية الى تفجر الأوضاع الداخلية بالسعودية أو على الأقل دخول البلاد في أزمة. واستغلت السعودية هذه الفرصة وأرسلت الكثير من القوى للجهاد في أفغانستان، ومن نفس هذا المنطلق يمكننا تحليل سبب توجه القوى الجهادية الى العراق. بعبارة أوضح لعب العراق وأفغانستان دور صمام الأمان لنظام السعودية، وبخروج الإسلاميين (أو اخراجهم) من المجتمع السعودي واستنفاذهم طاقاتهم في تلك البلدان، حافظ النظام السعودي على توازن نسبي في البلاد.
بصورة عامة، بعد عام 1999 تم اطلاق سراح بعض وجوه تيار الصحوة الإسلامية البارزة مثل سلمان العودة وسفر الحوالي. وقد غير هذان الاثنان ومجموعة من السلفيين مواقفهم، وأصدروا لاحقا ادانات شديدة لعمليات الحادي عشر من سبتمبر، وبهذه الإدانة اتخذوا خطوة نحو الابتعاد عن الإسلام السلفي ذي التوجهات المعادية للغرب وساروا نحو الإسلام المعتدل أو الإسلام الليبرالي كما يسمونه هم. وحاليا هناك صراع خفي بين بعض التيارات السلفية المعتدلة في السعودية. كل من هذه الجماعات تريد أن تقطف ثمار التطورات التي شهدها المجتمع في عقد السبعينيات والتي عُرفت بصورة عامة باسم الصحوة الإسلامية. وتعلم هذه التيارات علم اليقين أن تيار السلفيين الجدد قد قضى على نفسه عبر تهريبه السلاح الى داخل السعودية والقيام بأعمال عنف مسلحة، ومن ناحية أخرى فإن التيار الوهابية التقليدية قد فقد إمكانية التجديد وإعادة تصميم المشهد الاجتماعي بسبب مشاركته في المؤسسات الرسمية وكذلك تحجر هذا التيار فكريا.
وتجدر الإشارة الى أن المملكة السعودية ولدت من رحم الوهابية، وهذه الحركة مشهورة بمعادتها للتشيع وعليه فإن أوضاع الشيعة في السعودية محددة مسبقا. ويعد شيعة السعودية من أكثر طبقات المجتمع حرمانا، حيث لا يمنحون مناصب إدارية عليا ولا يتم توظفيهم حتى في أبسط مناصب الحكومة، ومن هذا المنطلق نشط الشيعة في تيار الإسلام الليبرالي حيث يرون فيه فرصة للإعلان عن وجودهم كما تجمعهم بهذا التيار مصالح مشتركة كثيرة.
وأخيرا تنحصر الإمكانية على التواصل مع المجتمع في الجماعات الإسلامية أو الليبرالية. لذلك تعتبر مجموعتي الصحوة الإسلامية هاتين وبتوجهات أشخاص مثل سلمان العودة وتيار الإسلام الليبرالي، خصمين حقيقيين في التنافس للسيطرة على التيار الرئيسي في المجتمع السعودي المحافظ.
السعودية