مكانة إسرائيل وحماس بعد العاشر من أكتوبر

أحد, 10/12/2025 - 19:03

 

سمير عادل

في البداية، لا بد من التأكيد أن وقف الحرب مكسب لسكان غزة ومكسب للإنسانية جمعاء. وإذا ما قُدّر أن يُكتب تاريخ القرن الحادي والعشرين بصدق، فسيسجل أن الحركة التضامنية العالمية مع الشعب الفلسطيني، وقلبها النابض الحركة العمالية، قد مزقت الرواية الإسرائيلية وسردية “المظلومية” التي طالما رددتها، خصوصًا في أوروبا والولايات المتحدة.

لقد أثبتت هذه الحركة أن راية الإنسانية أعلى وأقوى من أن يمزقها اليمين الفاشي، وقد فرضت في الوقت ذاته التراجع على سائر الحكومات الغربية باعترافها بدولة فلسطين، بعد أن هرع معظم مسؤوليها ورؤساء حكوماتها إلى تل أبيب بعد السابع من أكتوبر 2023 لإظهار التعاطف مع حكومة نتنياهو–سموتريتش–بن غفير والشعب الإسرائيلي.

 

استخدام مقولة "الحرب" للتضليل:

 

انتهت "الحرب" — كما تسميها إسرائيل وكذلك حماس — بعد 734 يومًا من القتل الممنهج وتدمير كل ما هو فوق الأرض وتحتها، وتسوية الأبنية، ونسف البنى التحتية من طرق ومواصلات ومستشفيات ومدارس ومراكز خدمية، وانتزاع الأرواح من أكثر من 67 ألف إنسان، ثلثهم دون سن الثامنة عشرة، حسب إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة.

نقول إن الطرفين يصفان ما حدث في غزة بـ"الحرب"، لكنها لم تكن حربًا بالمعنى المادي أو السياسي أو حتى اللغوي.

فالحرب تعني وجود طرفين متحاربين، بغض النظر عن تكافؤ القوى بينهما، أما في حالة غزة، فلم يكن هناك على الأرض سوى طرف واحد، هو دولة الإرهاب التي تُسمّى إسرائيل.

فهي تستخدم مصطلح “الحرب” لتبرير جرائمها الوحشية بحق السكان المدنيين، بحجة أنها تحارب “طرفًا ما” فوق الأرض وتحتها، بينما تستغل حماس المصطلح ذاته لتبرير وجودها السياسي وإضفاء الشرعية على نفسها باعتبارها “مقاومة” لدولة نووية متفوقة عسكريًا على جميع جيرانها في المنطقة.

غير أن الحقيقة أن حماس لم تكن تحارب إسرائيل فعليًا، بل كان من يتلقى الضربات هم سكان غزة، بينما كانت حماس تحصي تلك الضربات لتقول للعالم: “هذه هي إسرائيل”.

 

أين بقت حماس؟

 

عدد غير قليل من المحللين رأوا أن غياب مصطلح "الطوفان" من خطاب خليل الحية، رئيس حركة حماس، ومن بيان الحركة حول الاتفاقية أو الموافقة على خطة ترامب، هو مجرد فذلكة سياسية لإخفاء الطابع الإخواني للحركة ومحاولة لتسويقها كجزء من "حركة تحرر وطني".

لكن الحقيقة التي أثبتها الواقع المرّ أن ما سُمّي بـ"طوفان الأقصى" ضد إسرائيل تحول إلى طوفان على سكان غزة، وأطلق يد إرهاب الدولة لينهش أجساد المدنيين العزّل. وهذه الحقيقة، مهما تكابرت عليها حماس أو حاولت التعمية عنها عبر الحشو اللغوي للخطابات والبيانات المليئة بالشعارات التي عودتنا عليها خلال الفترة الماضية، تبقى واضحة: لقد دقت لحظة الحقيقة؛ إن غياب مصطلح "الطوفان" من خطاب حماس هو إعلان فشل هذا الطوفان، إذ لم يعد هناك ما يُفتخر به بعد ما جرى لغزة.

 

العالم ليس غبيًا كما يظن البعض؛ فالعزاء الوحيد لحماس هو الظهور الصوري و الشكلي كدولة لا كحركة تمرد، كما يفسره بعض المراقبين السياسيين، في محاولة لإخفاء هويتها كجزء من الإسلام السياسي.

فطوال 734 يومًا، لم تملك حماس أي مبادرة — لا عسكرية نوعية ولا سياسية — بعد السابع من أكتوبر، كما حدث مثلًا في فيتنام أو الجزائر أو العراق، بل اكتفت بورقة الرهائن كورقة ضغط وحيدة، وقد وقّعت أخيرًا على تسليم هذه الورقة في المرحلة الأولى من اتفاق “وقف الحرب”. أما حديث خليل الحية عن وجود “ضمانات أمريكية” فهو محض وهم، يحاول تسويقه لتبرير الإخفاقات الكبرى التي لحقت بالحركة، وأولها الموافقة على المرحلة الأولى من خطة ترامب، وتسليمها الشعب الفلسطيني قربانًا لمصالحها الضيقة طوال سنتين من القتل والتدمير. فحماس قبل أن تخسر الخارج خسرت الداخل، وأبقت على وجودها عبر قمع التظاهرات والاحتجاجات التي خرجت ضدها في غزة، من خلال إعدامات ميدانية وعلنية تحت العنوان المفضوح “الخيانة”، ودون أي محاكمات.

التاريخ يشهد — وحماس نفسها تعلم — أن دولة إسرائيل النازية خرقت جميع الاتفاقات منها مع الفلسطينيين، بدءًا من اتفاقية أوسلو، ومع مصر مرورًا باتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة مع الأردن والاتفاقية الموقعة منذ بداية السبعينات مع سوريا، والاتفاقية مع لبنان لوقف الحرب وانتهاءً بخرقها للقوانين الدولية كافة. بل حتى حلفاؤها لم يسلموا من عدوانها؛ فقد قصفت قطر رغم تحالفها الوثيق مع واشنطن، وضربت إيران أثناء التفاوض مع الإدارة الأمريكية التي علّمت إسرائيل كيف تخرق المعاهدات والاتفاقيات، مثل الانسحاب من اتفاقية المناخ واليونسكو ومجلس حقوق الإنسان، وهناك اتفاقيات أخرى مثل مينسك التي أشعلت الحرب وغزو روسيا لأوكرانيا، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2016 وعدم العودة إليه حتى بعد التغيير في الإدارة الأمريكية.

فأين هي الضمانات التي تزعمها حماس؟ لا إسرائيل تحترمها، ولا أمريكا تلتزم بها. ومن يضمن أن إسرائيل، بعد استلام الرهائن، لن تعود إلى أعمالها الوحشية وخاصة بتنظيم سلسلة الاغتيالات ضد قادة حماس سواء في الداخل الفلسطيني أو في الخارج؟

كان يمكن للورقة التفاوضية الحالية أن تُقبل قبل اكثر من سنة ووقف البربرية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة. الا ان حماس وجدت نفسها اليوم حتى أمام داعميها كقطر وتركيا — اتفقتا على إخراج الحركة من الحكم وتسليم سلاحها، وأصبحت المعادلة باتت واضحة: لا حكم لحماس في غزة.

وفي خطابه، يهنئ خليل الحية سكان غزة على “انتصارهم”، والذي هو عزائه الوحيد، وكأنهم خاضوا حربًا بالفعل، بينما الحقيقة أنهم كانوا يُقتلون يوميًا بآلة إسرائيلية متوحشة فقط لأن حماس انطلقت من أرضهم. بعبارة أخرى، حماس لم تنتصر سياسيًا، وإن احتفظت باسمها فقط على حساب آلام ومعاناة سكان غزة الذين فقدوا أحباءهم وبترت اعضائهم ودمرت بيوتهم، وشُوّه أطفالهم وقُتل الآلاف منهم.

 

إسرائيل وخسائرها السياسية:

 

أما إسرائيل فحالها ليس افضل من حماس، وقد انتشلتها إدارة ترامب من وحل جرائم غزة، بنفس القدر انتشلت سمعة واعتبار ومكانة الولايات المتحدة الامريكية، فأوضاعها بعد الحرب هي أشبه بقذيفة تنفجر الآن لكن خسائرها الحقيقية ستظهر لاحقًا.

صحيح أنها استعادت زمام المبادرة وبرزت كقوة عسكرية إقليمية، واستردت زمام المبادرة بعد السابع من أكتوبر وأصبحت لها يد طولى عسكرية في المنطقة وستقوم بتصدير صناعاتها العسكرية والتجسسية التي استعرضتها في حربها مع ايران وحزب الله في لبنان وضرباتها في سورية، والتي كانت أيضا متفوقة فيها من قبل، إلا أن خسائرها السياسية والجيو سياسية، ستكون فادحة، أولها انهيار روايتها التاريخية وسردية “المظلومية” اليهودية التي طالما سوّقتها للعالم.

لقد بات العالم، خصوصًا في الغرب، يدرك أن ما يجري في إسرائيل لا يقل إجرامًا عن نظام هتلر، وأن ما بنته الدولة العبرية من أركان وهمية وكاذبة لروايتها خلال عقود تبخّر في مهبّ الرياح.

وفضلا على ذلك، قامت إسرائيل دون أي قصد وبحماقة منقطع النظير باستيقاظ المارد الإنساني الذي تحوّل إلى رقم فاعل في المعادلة السياسية العالمية. سياسات المقاطعة والعقوبات التي تتعرض لها إسرائيل لم تشهد لها مثيلًا، منذ أن انطلقت آلة القتل الإسرائيلية تنهش أجساد الفلسطينيين كما في أفلام الرعب.

أما على الصعيد الإقليمي، فبلطجة إسرائيل في المنطقة مهدت الأرضية والأجواء لأنشاء تحالفات جديدة وتوازنات مختلفة، بين السعودية وباكستان، الأولى أغنى دولة في المنطقة والتي تصدرت المشهد السياسي الإقليمي والدولي وأصبحت لاعبة رئيسية في المعادلة الإقليمية والدولية دون إطلاق رصاصة واحدة، والثانية تملك السلاح النووي، إلى جانب التقارب المصري–التركي ليصل الى حد تنظيم مناورات عسكرية مشتركة، حيث تمتلك الأولى عمقًا استراتيجيًا وموارد بشرية كبيرة والثانية ثاني أكبر جيش في الناتو.

إن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي بشر به نتنياهو بدأ يلوح في الأفق، لكنه نسي أن يذكر أن إسرائيل ليست الوحيدة في هذا المشروع، فقد ظهرت قوى جديدة كالسعودية وتركيا ومصر لاعبين أساسيين في المشروع، وان زمن البلطجة والمافيوية السياسية الاسرائيلية باتت تسدل الستار عنها. وان مزاعم انتصار إسرائيل هي مزاعم زائفة مثل انتصارات حماس.

 

المجتمع الإسرائيلي ومطلب الأمان والسلام ودور الطبقة العاملة:

 

أما داخل إسرائيل نفسها، فيبدو انه اسير اليمين الذي يضاهي وينافس النازية والفاشية إبان الحرب العالمية الثانية بالكراهية القومية والحقد العنصري وعدم الاعتراف بالظلم القومي السافر على الشعب الفلسطيني. فمن دون التخلص من العنصرية والكراهية القومية والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. 

وهنا لا بد من قول كلمة، للأسف الشديد ان الطبقة العاملة في إسرائيل لم تستطع أن تحذو اخوتهم في اوربا وتظهر كصف مستقل تنتشل المجتمع الإسرائيلي من وحل اليمين العنصري الصهيوني، لقد كانت هي الأخرى تحت أفق هذا اليمين. وعليها ان تدرك مسؤوليتها، كما قامت بها المنظمات والاتحادات العمالية في إيطاليا وإسبانيا والسويد والنرويج وفرنسا وبريطانيا وايرلندا والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية.

على الطبقة العاملة في إسرائيل إن تدرك؛ أن الطريق لإنهاء الإرهاب والحرب وانعدام الأمن في المنطقة يمر عبر إنهاء الظلم التاريخي ضد الشعب الفلسطيني.  ودون ذلك، فلن ينعم المجتمع الإسرائيلي بالأمان. فكما قال رئيس اتحاد عمال الامازون كريس سميلس من على أسطول حنظلة لفك الحصار عن غزة؛ نحن نحمل معنا حليب الأطفال، والألعاب، والدواء، والأمل — ليس فقط لغزة، بل من أجل مستقبل أطفالنا في أمريكا. العالم يراقبنا. فهل تحذو الطبقة العاملة في إسرائيل مثلما حذت الطبقة العاملة في العالم لتدافع عن أطفال غزة من اجل الدفاع عن اطفالها!

 

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف