اهمية دور الامام علي (ع) في معركة الخندق

أحد, 12/14/2025 - 12:01

 

الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي

 

تعتبر معركة الخندق او كما يطلق عليها (معركة الأحزاب) تحديا شديد الخطورة على الاسلام, والتي جرت في السنة الخامسة للهجرة, حيث كانت من أصعب المراحل وأكثرها حرجًا في تاريخ الدولة الإسلامية الفتية، في تلك الأيام تجمعت قوى الشرك واليهود والمنافقين في تحالف عسكري ضخم, بلغ تعداده نحو عشرة آلاف مقاتل, وهو عدد كبير جدا, لحصار المدينة المنورة واجتثاث الإسلام. وقد وصل الرعب واليأس إلى نفوس الكثير من المسلمين آنذاك, مع استمرار الاشاعات التي يطلقها الطابور الخامس داخل المدينة لتثبيط المعنويات وكسر الروح في خضم هذا الحصار الخانق, مع نشاط ملاحظ لفئة المنافقين داخل جسد الجيش الاسلامي، تجلى الدور المحوري للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي حسم مصير المعركة بضربة واحدة أوقفت زحف التحالف المعادي, وانهى حالة الذعر والتخلل والتردد بين المسلمين... حيث اقدم لمواجهة البطل الاسطوري الجاهلي بن عبد ود وقتله بضربة تاريخية, خلدها قول الرسول الاعظم:  "لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ".

 

 

·     اهداف مطالبة بن عبد ود للمبارزة

تحدي عمرو بن عبد وُدّ العامري للمسلمين في معركة الخندق (الأحزاب) لم يكن مجرد مبارزة عسكرية، بل كان يمثل نقطة ضعف معنوية ووجودية, هددت كيان الدولة الإسلامية الناشئة, وكان تردد الصحابة باستثناء الإمام علي (ع) يعكس عمق هذه الأزمة... ويمكن تحليل المغزى من هذا التحدي وتردد المسلمين من بعدين مهمين:

اولا: كان عمرو بن عبد وُدّ يمثل القوة والبطولة المطلقة في صفوف الأحزاب، وقد إدراك أن عبوره الخندق بنجاح, يمثل خرقاً الى خط الدفاع الأخير للمسلمين, وتحديه للمسلمين لم يكن تحدياً بدنياً فحسب، بل كان تحدياً لمعتقداتهم وقوة إيمانهم, كان يريد أن يثبت أن إيمانهم الجديد (الإسلام) لم ينتج أبطالاً, قادرين على مواجهة الأبطال التقليديين للجاهلية, وقد حصل التردد من المسلمين في مواجهته, وهذا ما رفع معنويات الأحزاب, ودب الخوف والقلق بين افراد جيش الاسلام, وكان الخوف كافيا بانهيار الجيش الاسلامي, خصوصا مع وجود المنافقين الذين كانوا ينشطون في بث الرعب بين المسلمين.. وكان أي انهيار لجيش الإسلام يعني دخول قوات تحالف الاحزاب الى المدينة.

بالإضافة لما يمثله عمرو بن عبد ود من رمزية للجاهلية والشرك, فطالما كان منتصرا كان يعطي تفوق نفسي لحلف الأحزاب.

ثانيا: إن تردد عامة الصحابة في مواجهة عمرو، باستثناء الإمام علي (ع)، يكشف عن عمق الأزمة التي كانوا يمرون بها.. حيث كانت هذه المواجهة أشبه بالموت المحقق. وهذا التردد يوضح أن الإيمان رغم قوته المعلنة، لكن لم يكن كافياً ليغلب الخوف الغريزي أمام بطل أسطوري يعرفونه تمام المعرفة. كان هذا هو الـ "الابتلاء" الحقيقي الذي ذكره القرآن في سورة الأحزاب... فمن يريد الجنة كما يدعي فليتقدم لمواجهة عمرو بن عبد ود, لكن ترددهم وعدم الإقدام, كشف خلل في إيمانهم.

فقط كان الامام علي (ع) يملك إيمانا كاملا, فهو لا يخشى النزال, لأنه يتحرك فقط لإرضاء الله عز وجل, لا يبحث عن نصر مادي او شخصي, بل كل همه تحقيق رضا الله., وهذا هو الفرق الذي جسدته مقولة الرسول الاعظم (ص): "برز الايمان كله الى الشرك كله".   

 

 

·     دور الإمام علي (ع)  الحاسم

لم يتردد الإمام علي (ع) في الاقدام لمواجهة عمرو بن عبد ود لأنه أدرك أن إنقاذ الإسلام يتوقف على قتله لعمرو. فكانت موقف الامام علي اثباته عملياً أن الإيمان بالله ورسوله يمنح قوة تفوق أي قوة مادية أو أسطورية جاهلية. لقد أزاح بهذا الفعل الترسانة المعنوية للأحزاب... والامر الاخر ان موقف الإمام علي الشجاع وقتله لعمرو الذي كان يمثل رأس الحربة، أدى ذلك إلى انهيار فوري لمعنويات الأحزاب, وتفرقهم بعد ذلك, بفضل هبوب الريح وتدبير الله. لو بقي عمرو حياً، لكان فتح ثغرة في الخندق ونصر الأحزاب أمراً مرجحاً.

من جانب آخر تؤكد المصادر الإسلامية عموما والشيعية بالخصوص ان ضربة الامام علي(ع) تعدل عبادة الثقلين الى يوم القيامة, الحقيقة التي أوضحها الرسول الاعظم (ص),  حيث كانت هذه الضربة هي اللحظة التي تكرس فيها الإمام علي كرمز للشجاعة والبطولة, التي لا تُضاهى في تاريخ الإسلام، حيث قال النبي (ص): "لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ" .

باختصار، تحدي عمرو بن عبد وُدّ كان اختباراً لوجود الإسلام، وتردد المسلمين كان تعبيراً عن شدة المحنة، وكان حسم الإمام علي هو إثبات أن الإيمان الحق قادر على تدمير الأساطير الجاهلية وإنقاذ الأمة.

 

 

·     المبارزة الفاصلة مع عمرو بن عبد وُدّ

كانت اللحظة الأكثر خطورة في المعركة هي نجاح مجموعة من فرسان قريش، أبرزهم بطلهم الأسطوري عمرو بن عبد وُدّ العامري، في عبور الخندق. وقف عمرو يصول ويجول ويتحدى المسلمين للمبارزة، مستخفاً بهم وبعقيدتهم، ولم يجرؤ أحد من المسلمين على تلبية ندائه خوفًا من قوته، رغم وعيده وتهكمه.

وقد تكرر طلب الإمام علي (ع) من النبي الخاتم (ص) أن يأذن له بمبارزة عمرو، لكن النبي الخاتم (ص) أمره بالجلوس مرتين أو ثلاثًا قبل أن يسمح له في المرة الأخيرة... وعندما توجه الإمام علي للمبارزة، قال رسول الله (ص) العبارة التي تلخص الموقف: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله". هذا القول يدل على أن نتيجة المبارزة لم تكن تتعلق بحياة شخصين، بل بمصير العقيدة والدين بأكمله.

بعد محاورة قصيرة بين الامام علي (ع) وعمرو بن عبد ود، بدأ القتال وتمكن الإمام علي من قتل عمرو، الذي كان يُعد بألف رجل, وبمجرد مقتل عمرو بن ودّ، فرّ بقية الفرسان الذين عبروا الخندق، وتزلزلت نفوس جيوش الأحزاب.. ويؤكد الشيخ المفيد، وهو من كبار علماء الشيعة، أن قتل الإمام علي (ع) لعمرو ونوفل كان سبب هزيمة المشركين، وقد قال النبي الاعظم (ص) بعد ذلك: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا".

 

 

·     عظمة ضربة الإمام علي (ع)

في اغلب المصادر الاسلامية المعتبرة وكذلك في جميع المصادر الشيعية، هناك حديث مشهور للرسول الخاتم (ص) يوضح القيمة المعنوية والتاريخية لبطولة الإمام علي (ع) في هذه الغزوة, حيث قال: "لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ" (أي الجن والإنس)... ويُعلّل هذا الحديث في الفكر الشيعي والاسلامي عموما بأن تلك الضربة حسمت مصير الإسلام كله، لولاها لما بقي الإسلام وما كانت هناك عبادة بعد ذلك اليوم., كما أن المصادر الشيعية تروي قراءة للصحابي عبد الله بن مسعود لآية سورة الأحزاب: ﴿وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾، حيث كان يقرأها ﴿وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ﴾.

 

 

·     اخيرا:

كان دور الإمام علي عليه السلام في معركة الخندق هو نقطة التحول التي حسمت النصر للمسلمين, فبدلاً من معركة طويلة ومضنية قد تنهك المسلمين المحاصرين، أدى عمل الإمام علي (ع) البطولي, في إزالة رأس القوة المعنوية والقتالية للمشركين (عمرو بن ود), ثم إلى تبديد شمل الأحزاب وتراجعهم، ليتحقق بذلك وعد الله: "وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ". بعلي بن ابي طالب عليه السلام.

وكانت حرب الاحزاب تهديد وجودي للإسلام, من هنا ندرك اهمية وعظمة موقف الامام علي (ع) في معركة الخندق, حيث حفظ وجود الاسلام بقتله لعمرو بن عبد ود العامري البطل الاسطوري الذي تراجع أمامه جيش الإسلام.. فكان اقدام الامام علي (ع) لساحة الحرب هو فعل عملي لأنهاء اسطورة الأحزاب وتبديد جمعهم ثم الانسحاب بعد تفرق جمعهم.  

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف