تعرف الرجال بالمواقف، ولا تعرف المواقف بالرجال، نعم الشجاعة من أهمّ ما يسعى من اجلها المرء للوصول لها، وهي من الأخلاق الحميدة، فالشجاعة لا تعني بأس الرجل وشدته في الحرب فقط، وإنما تعني الجرأة, والموقف الصلب, والإقدام, والصبر, والثبات عند نزول البلاء، فالتهوّر هو الاندفاع للقيام بعمل ما دون التفكير في سلبياته ونتائجه، ولا تقاس الشجاعة بحجم جسد الإنسان، أو وزنه، أو شكله، وإنّما تقاس بأفعاله وأقواله، وانها دفاع الشخص عن نفسه ودينه وقومة ووطنه من أي خطر يهدده، لحماية الحقوق والمصالح المشتركة داخل وخارج الوطن.
منذ اليوم الأول الذي اقدم فيه برزاني، على إعلان الاستفتاء في إقليم كردستان، والجميع يتابع الموقف لكافة السياسيين بمختلف تسمياتهم وانتماءاتهم القومية والمذهبية، فلم نسمع منهم أو نرى لهم موقفاً صريحاً واضحاً جلياً من الاستفتاء، لا منهم كأفراد ولا كأحزاب وتيارات، ولكي لا نظلم الجميع فهناك عدد قليل لديهم مواقف خجولة تطلق من خلال مواقع السوشل ميديا، خلف الكيبوردات، ونقصد بذلك الفترة الأولى لإعلان (مسعود برزاني) قرار الإستفتاء الذي يليه الانفصال.
إنفرد السيد (عمار الحكيم) بموقفه الصريح إتجاه الإستفتاء والإستقلال الذي يسعى اليه (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وقد اعلن موقفه من القاهرة على الملأ، أثناء زيارته لها مع وفد (التحالف الوطني العراقي) وبكل جرئة وشجاعة، حيث قال "إن دولة كردستان المزعومة لن يعترف بها غير إسرائيل"، حيث أثار هذا التصريح الشديد اللهجة حفيظة الأكراد، وجعلهم يتخبطون في تصريحاتهم وردود افعالهم.
بدا على (مسعود برزاني)، من خلال تصريحاته التهور والتخبط الواضح، ليقول "ستكون هناك حرباً دموية، إن لم نحصل على الاستقلال"، لم يمضي كثيراً حتى تلقى الصفعة الثانية، التي افقدته أعصابه وكياسته، من القيادي في الحشد الشعبي الشيخ (قيس الخزعلي) ليرد عليه بقوله "اذا تم التقسيم والإنفصال سنتعامل معكم على إنكم دولة محتلة، وإننا طردنا داعش التي تفوقكم في العدة والعدد"، كانت الرسالة واضحة، أربكت الوضع الكردي بأسره، وجعلتهم ينقسمون بين مؤيد ومعارض للاستفتاء، فالأكراد يدركون جيداً أن البارزاني لن يهتم لأمرهم, ولا للدماء التي ستسقط منهم اذا ما اصر الأخير على موقفه, وأنهم سيدخلون في دوامة حرب جديدة هم في غناً عنها، تفقدهم كل مكتسباتهم التي حققوها في الفترة الماضية.
اليوم نشاهد بعض السياسيين قد اخرج رأسه من مخبأه، ليصرح تصريح هنا وتصريح هناك، يرفض فيه الإستفتاء، بعدما وصلت الإمور الى ذروتها، فلو كان موقف الجميع موحداً واضحاً وصريحاً منذ البداية، لأخذت الأمور مساراً صحيحاً مختلفاً، ولكان موقفاً ضاغطاً نحو الحل المناسب، مع هذا كانت كتلة (الحكمة النيابية) قد سبقت الجميع في إعلان موقفها من الإستفتاء وعلى الملأ، ولم تحذو حذوها اي كتلة اخرى، لإبداء موقفها الرسمي حيال ما يجري اليوم، فالأغلب يخشى على مصالحه في كردستان.
إن الشجاعة ليست إستعراضات إنشائية, ولا قرارات تهوريه, ولا إهزوجات ارتجالية, تداعب عواطف ومشاعر المواطنين البسطاء، إنها مواقف صلبة، تتخذ في حينها محسوبةً نتائجها ومردوداتها الإيجابية والسلبية، تحصد ثمارها التي تؤتى أُكلها في حينها، بدأت المواقف المضادة الأخرى تتغير وتأخذ منحى آخر، وأخذت تدنو من الحوارات المتبادلة، والمكاشفات الصريحة لحلحلة الأمور ورأب الصدع.
رضوان العسكري