أدى تصاعد أعداد القتلى المدنيين في اليمن وتفاقم المعاناة الإنسانية، الى تزايد الانتقادات من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الذي أوشك على تبني قرار في يونيو بمنع أي مبيعات سلاح للسعودية.
وفي يناير، وضع برنامج الأغذية العالمي خطة لتقديم معدات من شأنها أن تساعد على تخفيف الكارثة الإنسانية المتزايدة في اليمن، وكانت هناك أربع رافعات، بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، جاهزة للشحن إلى ميناء الحديدة، لتحل محل الرافعات التي دمرتها الطائرات السعودية في أغسطس 2015. لكن وبعد ثمانية أشهر، فشل المسؤولون الأمريكيون في إقناع نظرائهم السعوديين بالسماح للرافعات بالوصول للميناء اليمني، وتركيبها للمساهمة في تسهيل دخول الواردات إلى شعب أتعبه الجوع والمرض والقتل.
ويأتي الرفض السعودي وسط أسوأ تفش لوباء الكوليرا في العصر الحديث، الذي اصاب أكثر من 600 ألف شخص، في الوقت الذي يعيش فيه ملايين اليمنيين على حافة المجاعة.
ورغم المساعدة بالقنابل والاستخبارات وإعادة تموين المقاتلات بالوقود في الجو من قبل أمريكا، غير ان الحملة التي تقودها السعودية والتي بلغت حتى اليوم شهرها الثلاثين، فشلت في القضاء على الحوثيين، بينما قتلت وجرحت آلاف المدنيين وتحولت إلى مستنقع عويص.
وكانت مساعدة واشنطن للدول الخليجية التي تشن حربا ضد اليمن تصور كوسيلة غير مكلفة لإظهار الدعم لحليف عربي، لكن التدخل المسلح الذي تقوده الرياض تحول إلى مستنقع زلق وحصد آلاف القتلى والجرحى، كما أن الحملة السعودية ضد الحوثيين وحلفائهم لا حظ لها من النجاح.
وترسم المقابلات التي أجريت مع مسؤولين حكوميين امريكيين حاليين وسابقين، صورة لجهود حرب عكسية تهدد بإدخال المزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تؤدي أيضا إلى تأزم وتفاقم التحالف الأمريكي السعودي.
وفي الوقت نفسه، أدى تصاعد أعداد القتلى المدنيين في اليمن وتفاقم المعاناة الإنسانية، الى تزايد الانتقادات من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الذي أوشك على تبني قرار في يونيو بمنع أي مبيعات سلاح للسعودية دون التزام الرياض بحقوق الإنسان. وبالرغم من ذلك، أكدت إدارة ترامب بأنها ستستأنف بيع الذخائر الموجهة بدقة إلى الرياض، ما يجعلنا نتذكر الحظر الذي فرضه الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2016 رداً على الضربات الجوية السعودية العشوائية ضد المدنيين.
وقال الضابط بالاستخبارات المركزية الأمريكية ومستشار سابق لرؤساء امريكا، بروس ريدل “إن الشراكة البغيضة بين أقوى الديمقراطيات في العالم – الولايات المتحدة – وآخر الملكيات المطلقة في العالم – السعودية – ظلت تلازمها التناقضات والتوترات باستمرار، وإن استمرارها يعود إلى المساومة البراغماتية التاريخية بين الطرفين.
يُذكر أن ريدل نشر كتاباً جديداً حول التحالف الأمريكي السعودي أسماه “ملوك ورؤساء”، يقول فيه إن تلك المساومة تنص على ضمانات أمريكية لأمن السعودية وضمانات سعودية بتوفير النفط بسعر مناسب للاقتصاد العالمي.
وأضاف ريدل لـ”فورين بوليسي” أن واشنطن خلال مختلف إداراتها اختارت غض الطرف عن أخطاء السعودية في اليمن، لأن الأخير لا يهم أمريكا كثيرا ويمكن أن تضحي به من أجل علاقات جيدة مع السعوديين.
إنقاذ هادي
وكانت الولايات المتحدة تدخلت في اليمن منذ هجمات 11 سبتمبر، لمطاردة مقاتلي القاعدة في المناطق النائية القبلية لأكثر من عقد من الزمان قبل أن تشن السعودية حربها في اليمن منذ مارس 2015.
إلا أن الحرب الأمريكية على تنظيم القاعدة ازدادت تعقيدا في مارس 2015 عندما بدأت الطائرات السعودية الأولى باستهداف الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في سبتمبر في محاولة لاعادة عبد ربه منصور هادي الذي انتخب توافقيا في 2012.
ومن خلال دعمها السعوديين، شاركت واشنطن في حربين في اليمن: التحالف الذي تقوده دول الخليج ضد الحوثيين وحلفائهم، ومواصلة جهود مكافحة الإرهاب التي تستهدف تنظيم القاعدة. لكن من سخرية الأقدار أن الحوثيين وحلفاءهم الذين تحاربهم السعودية بمساعدة أمريكية، يحاربون تنظيم القاعدة الذي تحاربه أمريكا.
وقد دعمت إدارة أوباما في الأيام الأولى الجهود السعودية، وأقامت خلية تخطيط مشتركة للمساعدة في تنسيق الحملة الجوية التي شملت أيضا طائرات من مصر والمغرب والأردن والكويت والإمارات وقطر والبحرين والسودان.
وقال جيرالد فيرستاين، السفير السابق في اليمن، ومسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية: “كان هناك اتفاق أساسي على أننا كمجتمع دولي يجب أن نستمر في دعم الحكومة الشرعية”. مضيفاً: “أراد السعوديون التدخل، واتفقنا معهم. وقبل ذلك، دفعنا السعوديين على أن يكونوا أكثر عدوانية لدعم هادي ضد الحوثيين وحلفائهم”.
وكانت المساعدة الأمريكية لحملة التحالف في اليمن، وسيلة مكلفة لإثبات الدعم لحليف أصبح يشك في وفاء واشنطن له عقب إبرام الاتفاق النووي مع إيران.
ويخشى الحلفاء الخليجيون أن تقترب واشنطن وطهران من بعضهما البعض، مما يحتمل ان يحافظ على توازن القوى في المنطقة. هذه المخاوف جعلت المسؤولين في واشنطن أكثر استعدادا لدعم حملة اليمن لطمأنة الأصدقاء بأن التحالفات القديمة ظلت ثابتة.
لكن الحملة العسكرية لم تكن كما تصور صناع السياسة الأمريكية. ادرة اوباما، التي أقلقها عدم سير الحملة السعودية في اليمن وفق ما كانت تتوقع، وتفاقم أعداد الضحايا المدنيين، وتزايد الغارات السعودية الفادحة والعشوائية ضد المدنيين، سحبت بنهاية يونيو 2016 غالبية مستشاريها في مركز العمليات، ولا يوجد أمريكيون الآن يشاركون في تنسيق الغارات على اليمن.
واصبحت المساعدة الأمريكية في العمليات السعودية ضد اليمن تنحصر الآن فقط في تزويد الرياض بمعلومات عن مصادر الهجمات الصاروخية الحوثية على المدن والبلدات جنوبي السعودية، وإعادة تزويد المقاتلات السعودية بالوقود في الجو.
ومنذ بدء الحملة قتل اكثر من 5100 مدني واصيب 8700 اخرون في الغارات الجوية والقتال على الارض، وفقا لما ذكرته الامم المتحدة مؤخرا. وفي الشهر الماضي، اعترف التحالف الذي تقوده السعودية بقصف مبنى سكني في صنعاء، مما اسفر عن مقتل 16 مدنيا. ووصفه التحالف بأنه “خطأ فني”.
وفي أكتوبر 2016، اعترف السعوديون أيضا بقصف قاعة عزاء في صنعاء، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 155 شخصا وإصابة 600 آخرين، لكنه رفض تقديم أي تفسير. وقدر تقرير صادر عن الأمم المتحدة حصلت عليه “فورين بوليسي” أن التحالف بقيادة السعودية كان مسؤولا عن مقتل 683 طفلاً منذ عام 2015.
وقال مسؤول سابق بوزارة الدفاع: “ان حوادث كهذه ادت الى مناقشات داخلية طويلة في البيت الابيض حول اليمن، وللأسف لم يتم حلها بشكل كامل”. وقال مسؤول سابق اخر إن “إدارة أوباما كانت مدفوعة من قبل اشخاص أرادوا أن يفعلوا المزيد، وأشخاص لم يرغبوا في فعل أي شيء، واشخاص اخرين يحاولون تقليل المخاطر”. مضيفاً: “إذا كان عليك أن تختار واحدا من الامور الثلاثة، فالامر الثالث هو ما حدث”.
إن تقليل المخاطر يعني توفير معلومات استخباراتية للسعودية على أمل تقليل الخسائر في صفوف المدنيين. وفي الوقت الذي كانت فيه إدارة أوباما محبطة بشدة من كيفية قيام القوات بقيادة السعودية بالحرب، قال المسؤول السابق إنهم لا يزالون يعتقدون أن الدعم الأمريكي له بعض التأثير الإيجابي.
إلا أن التجاهل السعودي الصارخ لتصاعد الخسائر في صفوف المدنيين في اليمن يمتحن الآن صبر أمريكا التي توصل مجلس أمنها القومي إلى أن الحملة السعودية “الخيالية” ليس لها حظ من النجاح، كما قال مسؤولون سابقون.
وقال أندرو إكسام مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط إن الأمريكيين يعتقدون أن السعوديين يغرقون في مستنقع، دون أن تكون لديهم فكرة واضحة عن كيفية إنهاء الحرب أو الخروج منها بمكاسب.
وبعدما هددت بريطانيا بمنع مبيعات أخرى من الأسلحة، أعلنت السعودية في ديسمبر الماضي أنها ستوقف استخدام القنابل العنقودية البريطانية، وفي نفس الشهر حظر البيت الأبيض بيع القنابل العنقودية للسعودية، لكن تقارير صحفية أوردت عقب ذلك أن الرياض استمرت تستخدم قنابل عنقودية برازيلية الصنع.
أولوية دونية
وقد ورث الرئيس دونالد ترامب، الذي كان ينتقد دعم أوباما للسعودية في الماضي، سياسة الإدارة السابقة في اليمن. وفي أواخر يناير، وبناء على توصية من قيادة البنتاغون، أذن ترامب بالعملية الكارثية في اليمن أسفرت عن مقتل أحد أفراد البحرية الامريكية، وإصابة ثلاثة آخرين، وأدى ذلك إلى تحطيم طائرة بقيمة 75 مليون دولار. كما قتل ما لا يقل عن 10 مدنيين يمنيين في الغارة، بينهم نساء واطفال، وفقا لتقارير متعددة. ونأى ترامب بسرعة عن المهمة التي فشلت في قتل أو القبض على أي أهداف ذات قيمة مهمة.
وفي حين أن إدارة ترامب لم تركز كثيرا على الصراع في اليمن، إلا أنها في مرحلة ما تنظر في توسيع التعاون مع السعودية على الحرب في اليمن. وفي شهر مايو، سافر ترامب إلى الرياض، حيث قام ببيع اسلحة بقيمة 100 مليار دولار إلى المملكة، التي شعر النقاد بأنها تقوض أي نفوذ كان يمكن للإدارة أن تفعله في الحد من الحرب في اليمن.
وأشار مصدر مطلع على البيت الأبيض إلى أن ترامب، الذي شغله التوتر مع كوريا الشمالية وكيفية التعامل مع الاتفاق النووي الايراني، لم يمنح اليمن الاولوية في الاشهر الثمانية الاولى من منصبه، تاركا سياسة اوباما كما هي.
ووصف ضابط الاستخبارات ومستشار رؤساء امريكا السابق بروس ريدل، الحرب في اليمن بالجرح النازف للسعودية لصالح إيران، وقدرت نفقات طهران على هذا الصراع بـ1% مما تنفقه الرياض وأبو ظبي.
وفي الوقت نفسه، تواصل إدارة ترامب إلى حد كبير سياسة أوباما في اليمن. وقال مسؤول عسكري امريكي طلب عدم الكشف عن هويته، انه مازال هناك امريكيون على الارض يقدمون دعما مباشرا ومساعدات لوجستية للقوات المتحالفة. وأضاف المسؤول العسكري: “اننا لا نشارك المعلومات الاستخباراتية، لكننا نرشدهم ونرافقهم في بعض هذه البعثات”.
وبالإضافة إلى جهود تقديم المشورة التي يقول مسؤولو الدفاع إنها تشبه ما تفعله القوات الأمريكية مع القوات المحلية في العراق وسوريا وقريبا أفغانستان في ظل الاستراتيجية الجديدة هناك، أخذت قوات الكوماندوز الأمريكية منعطفا خطرا أكبر في اليمن وشاركت في قتال مباشر مع عناصر تنظيم القاعدة. كما شنت الطائرات بدون طيار الأمريكية والطائرات الحربية أكثر من 90 غارة جوية ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية هذا العام، أي أكثر من ضعف الضربات الـ38 التي نفذت في عام 2016.
ومن المنتظر ان يطالب اعضاء مجلس الشيوخ هذا الاسبوع بتعديلين لمشروع قانون “الانفاق الدفاعي” الذي يمنع مبيعات الاسلحة في المستقبل ما لم تثبت السعودية وشركاؤها انهم ملتزمون باتفاقيات جنيف في الحرب الجوية. ومن بين المقترحات التي قدمها السيناتور الجمهوري تود يونغ من ولاية إنديانا شرط أن ترفع الرياض الحصار المفروض على ايصال الرافعات الأربع وتركيبها في ميناء الحديدة اليمني.
وفي الفترة التي سبقت تصويت مجلس الشيوخ في يونيو، كتب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى نظيره ريكس تيلرسون، مؤكدا له أن حكومته ستتخذ تدابير للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، بما في ذلك توسيع قائمة الأهداف الممنوعة من القصف.
وقالت كريستين بيكرل، وهي باحثة في هيومن رايتس ووتش: “لا يوجد دليل على أن السعودية قللت من حدة حملتها الجوية التي اتسمت بالضربات على المستشفيات والمباني السكنية والمدارس، أو أجرت تحقيقات حقيقية في عمليات القصف. وقالت بيكرل “على الرغم من الوعود الواهية، واصل التحالف بقيادة السعودية شن هجمات عشوائية في اليمن وفشل في التحقيق بشكل موثوق في الضربات الجوية التي أدت إلى انتهاكات قوانين الحرب”.
وقال متحدث باسم مجلس الامن القومي في البيت الابيض ان ادارة ترامب تأخذ “كل التقارير عن الخسائر المدنية” على محمل الجد “وواصلت العمل مع التحالف الذي تقوده السعودية للحد من الخسائر المدنية وتقليلها”. كما أوضحت الإدارة أن “على جميع أطراف الصراع ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان اليائسين في اليمن”.
إلا ان المتحدث باسم مجلس الامن القومي قال ان الولايات المتحدة ملتزمة بدعم جهود التحالف “للدفاع عن نفسها من التوغل الحوثي في الاراضي السعودية والهجمات الصاروخية”.
ومع استمرار استراتيجية التعبير عن القلق بشأن الكارثة الإنسانية واستمرار الدعم العسكري للسعودية، سيظل الوضع الإنساني المتفاقم في اليمن يطارد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وربما تكون الرافعات التي تقطعت بها السبل المتجهة إلى ميناء الحديدة أكثر الأمثلة وضوحا على هذا التوتر. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية ان المسؤولين الامريكيين “يثيرون بانتظام” قضايا مثل انعدام الامن الغذائي وتركيب الرافعات في ميناء الحديدة مع نظرائهم اليمنيين والسعوديين.
وبالرغم من أن السعوديين هم من يعرقلون ادخال الرافعات وتركيبها في ميناء الحديدة، بيد ان الادارة الامريكية، تحمل الحوثيين الكثير من اللوم. وقال المتحدث باسم الخارجية الامريكية “ان الحوثيين رفضوا الانخراط فى خطة الامم المتحدة – التي وافق عليها التحالف – للسماح للسلطات المحايدة بإدارة ميناء الحديدة”. واضاف ان “هذه المبادرة يمكن ان تزيد الثقة بين الاطراف وتؤدي الى استئناف المحادثات”.
وأعرب الوفد السعودي لدى الأمم المتحدة في بيان في 17 اغسطس عن رغبته في السماح بتركيب الرافعات في الحديدة كجزء من خطة توسطت فيها المنظمة الدولية لزيادة الشحنات التجارية والإنسانية للموانئ اليمنية. لكن السعوديين ابلغوا الولايات المتحدة والامم المتحدة انهم لا يستطيعون المضي قدما في الخطة حتى يقبل الحوثيون اقتراح الامم المتحدة بشأن الموانئ.
وقد جاءت اخر محاولة لحل قضية رافعات ميناء الحديدة، في الشهر الماضي عندما طلبت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، نكي هيلي، ومسؤول كبير في المنظمة الدولية، من السفير السعودي لدى الامم المتحدة، عبد الله المعلمي، دفع موضوع الرافعات إلى الأمام، لكن المعلمي رفض قائلا إن السماح باستقدامها لن يتم إلا ضمن تسوية سلمية نهائية للصراع في اليمن.
وقال مسؤول امريكي إن البيت الابيض والبنتاغون لم تجتهدا كثيرا بعد ذلك في الضغط على السعودية لتذعن للطلب الأمريكي والأممي. واضاف المسؤول “من يهتم بما تقوله هيلي في نيويورك عندما لا تدعمها البيت الابيض”.
مجلة “فورين بوليسي” الامريكية
*دان دي لوسي: كبير مراسلي المجلة لشؤون الأمن القومي
*بول ماكليري: كبير مراسلى المجلة ومختص في شؤون وزارة الدفاع الأمريكية وقضايا الامن القومي
*كولوم لينش: مراسل دبلوماسي رفيع المستوى في الأمم المتحدة
المصدر