يقال ان العملية السياسية في العراق، بعد 2003 هي فتاة مراهقة، لم تبلغ النضوج بعد، والدليل ما يصدر عنها من شطحات صبيانية، وتصرفات طائشة، لكن أما آن لهذه الفتاة ان تكبر؟!
بعد مرور 14 سنة من المراهقة السياسية، وارتداء ثوب الديمقراطية الامريكية، ذو المقاس الفضفاض على الجسد العراقي، اصبح قيادة السيارة عكس السير حرية، اما رمي الاوساخ بالشارع فهي من العادات التي نورثها ﻷبنائنا، بل ان التجاوز على الرصيف لبناء بيت امر وارد جدا، والتعدي على حريات غيرنا حرية شخصية، اما سرقة ونهب المال العام فهي من المستحبات لرجال السياسة!
انها الديمقراطية كما فهمناها، وكما وصلت لنا بمظهرها الفوضوي العبثي، حتى صار احدنا يشتم ويلعن هذه الديمقراطية، واسقاطاتها على الواقع ، فبعد انهيار الصورة الفولاذية، للنظام السابق وسطوته التعسفية بفرض القانون، على الفرد داخل بيته مرة، وفي مؤسسات الدولة مرة اخرى، بدأت تلك الهيبة بالانهيار والسقوط، مع فجر العاشر من نيسان 2003، حتى بدأ الفساد المالي والاداري والذي يقوده الفساد السياسي، بالتسرب الى كافة مفاصل المؤسسات الحكومية، كتسرب الماء لداخل سفينة مثقوبة، واصبح امر غرقها مسألة وقت لا اكثر.
هذه هي الصورة العامة للدولة العراقية الحديثة، بدون مبالغة فبعد الانتصار الذي تحقق على داعش الارهاب، والذي اشبه ما يكون بمعجزة، ليس لبسالة العدو، بل لضعف مؤسسات الدولة من الداخل بعد ان نخر الفساد فيها، فلا شك ان المعركة القادمة هي المعركة الاكثر خطورة، والاكثر جدوى!
خصوصا ونحن امام دورة انتخابية قادمة، اي بناء لحكومة جديدة، والبناء حتى يكون قوي وصامد امام عوامل المناخ القاسي من جهة والهزات الزلزالية من جهة اخرى، يجب ان يكون الاساس متين جدا، وذو مواصفات خاصة وخالي من الشوائب والترسبات السابقة، التي تهدد قيام البناء، اي عملية تنظيف شاملة، لمخلفات الفساد، وحرب طاحنة اعلنها العبادي ضد الفساد والمفسدين، فهل ستكون هذه الخطوة هي المعول الذي سيكسر دائرة التكرار الانتخابي التي يعاني منها العراق؟ ولا تعاد تدوير نفس الوجوه السياسية وينتج عنها ذات الاداء المحبط، وتتكرر نفس الشكوى!
يبدو ان العملية السياسية والله اعلم، قد غادرت طور المراهقة، واصبحت على قدر كافي من النضج، مما يجعلها تشخص مواطن الخلل، وتعمل على معالجته، رغم انها تعي خطورة مثل هكذا خطوة، الا ان الشيء المفرح حقا، انها باتت تملك من الشجاعة، ان تخطو مشوار الالف ميل بهذه الخطوة الاولى.
رسل جمال