إن من مهازل الدهر ، ومن المضحك المبكي أن الإنسان لا يعرف قدر نفسه ، ولا يعلم كم هو حجمه ، وما هي قيمته في المجتمع عامة ، و أبناء جلدته خاصة عندما يكون في قعر التخلف ، و قمة الإفلاس العلمي و الفكري ، و يرمي غيره بما هو فيه من الجهل ، و التخلف ، و الانحطاط العلمي ، و التردي الفكري ، وهذا ما يُصطلح عليه بالغباء النسبي ، و منتهى التسافل ، و الغرور بالنفس ، فضلاً عن الانقياد الأعمى لوساوس الشيطان ، و مكر مكائده ، حينها يرى الإنسان أن الحق باطلاً ، و الباطل حقاً فلا يستطيع و الحال هذه التمييز بين الصالح ، و الطالح ؛ لأنه أصبح أسير أهواء نفسه ، و مرتعاً للفساد ، و الإفساد ، وهذا ما وقع فيه الكثير من جهال العصر ، و شذاذ الأرض ، و خاصة حركات ، و الجماعات ، و التنظيمات التي ترى نفسها فوق كل الكل ، و كل اعتبار رغم ما فيها من فراغ علمي ، و فكري ، و جمود عقلي فتنظر بعين الهيمنة العنجهية ، و التسلط التعسفي إلى كل عامة البشرية ، وكأنها لا زالت تعيش في عصور الجاهلية وقد جاءت تلك التنظيمات لتخرجها من الظلمات إلى النور فيكون لها الفضل و السبق في انتشالها من دهاليز الظلام و عنق الزجاجة لو صح التعبير، في الوقت الذي تحتاج فيه هذه المخلوقات الغريبة الأطوار إلى مَنْ يصحح لها طريقة منهجها ، و يضع لها اسلوباً أكثر تلائماً مع مبادئ و قيم إسلامنا الشريف وبما يضمن لها سعادة الدارين ، فالغريب في الأمر أن تلك الجماعات تفكر بعقلية بعيدة كل البعد عن ما شهدته الأرض من تطور كبير ، و تقدم على مستوى عالي في مختلف صنوف العلم و التكنولوجيا العلمية و الفكرية و على حدٍ سواء خاصة في عصرنا هذا ، وما حققته من قفزة نوعية في المجتمع الإنساني فبات كل شيء سهل المنال ، وفي اغرب تصريح يتمسك به هؤلاء الجُهال تمسكهم بما جاءهم من أقلام رخيصة تلاعبت بالتاريخ البشري و حسب ما تمليه عليه قوة الدينار و الدرهم ، ومنذ غابر الأزمان فقضية كروية الأرض ،و دورانها حول نفسها تارة ، و حول الشمس تارة أخرى ، وهذا مما أثبته العلم بالأدلة و البراهين النظرية أو التطبيقية إلا أن هؤلاء و مَنْ جاء قبلهم لا يقرون بذلك ، و يذهبون إلى مخالفة العقل ، و ما ثبت علمياً ، و فكرياً مما جعلهم في خانة ضيقة فشرعنوا تكفير العلماء ، و استباحوا دمائهم ، و هتكوا أعراضهم ، و ناصبوا لهم العداء ولم تقف جرائمهم عند هذا المستوى بل تعداها إلى قتل كل مَنْ يقول بكروية الأرض ، و الوقوف بوجه التطور العلمي و تكفيره ، و خاصة علم الفلك ، وكل ما يختص بدراسة الفلك وما يرتبط به من العلوم الأخرى , مواقف تكشف عن مدى حجم التدني العلمي ، و عظم الضحالة العلمية التي يقبع الجُهال في مستنقعها و يتعبدون بها ، و العجب وكلّ العجب من هؤلاء في هذا الزمان عصر العلم ، والتكنولوجيا حيث يرفضون ويكفّرون العلم والعلماء ، وبما جاؤوا به ، فيُصِرّون على رأي أسلافهم ويرفِضون الواقعَ العقلي والحسّي، لأنّهم جمّدوا وحجّروا عقولهم فصاروا يرددون كالببغاوات ما قاله سابقيهم في سالف الزمان ، وهذا مما لا يمكن قبوله و تصديقه أبدًا أن يأتيَ مثلُ هؤلاء الجُهّال بعقول متحجّرة فيكفّرون الآخرين ويبيحون دماء كلّ من يخالفُهم في سفاهاتهم وسفاسفهم . .
بقلم // الكاتب حسن حمزة العبيدي