كشفت تقارير إعلامية غربية أن الصراع المحتدم في السعودية مع الأمير الوليد بن طلال ليس على المليارات المملوكة للثاني، ولكنها تأتي بمثابة معركة تكسير عظام وتقليم أظافر، ضمن ضغوط واسعة ومتعددة يمارسها النظام السعودي سعياً لتحجيم أي مصدر قلق له، وأشارت إلى أن دوافع ما يسمى بعملية التطهير التي تشهدها المملكة منذ أكثر من شهرين ستصبح أكثر وضوحاً خلال الشهرين المقبلين.
وذكر موقع "بلومبيرغ" في تقرير له أن الضغوط التي يمارسها النظام السعودي على الأمير الوليد لا تتعلق بالمال فقط، ولكن بالسياسة أيضاً. ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن دوافع عملية التطهير التي قام بها النظام السعودي قد تصبح أكثر وضوحاً قريباً.
ويقول الموقع إنه بعد شهرين من عملية الملاحقة للأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين في الحكومة، فإن هذه الحملة حققت على ما يبدو أكثر من الهدف، وهو تحصيل 100 مليار دولار من المعتقلين، وذلك عبر تسويات تقايض الحرية بالتنازل عن أرصدة وممتلكات للدولة.
ويستدرك التقرير بأن هناك حالة تعد استثناء، وهي حالة الأمير الوليد بن طلال، الوجه الدولي للعائلة المالكة مع المستثمرين ومديري الشركات.
ويلفت الموقع إلى أن الشهرين القادمين ستكشفان عن الدوافع الحقيقية وراء حملة التطهير. ويجد التقرير أن ذلك سيساعد المستثمرين والدبلوماسيين على الإجابة على سؤال ظل يلاحقهم، وهو عما إذا كانت عملية التطهير في الرابع من نوفمبر هي من أجل اقتلاع الفساد قبل عرض أسهم من شركة النفط العملاقة في الأسواق المالية، أم إنها محاولة لزيادة خزينة الدولة وتقوية موقع القيادة السعودية الجديدة في الداخل والخارج.
وينقل الموقع عن أشخاص مطلعين أن الأمير الوليد أبدى مقاومة للمطالب التي تدعوه للتخلي عن شركة المملكة القابضة، ويرفض الاعتراف بأنه ارتكب أخطاء؛ بسبب ما سيتركه ذلك الاعتراف على سمعته الدولية. ويقول مؤيدو ولي العهد إنَّه ليس أمامه خيار سوى التحرك بسرعة والتصرف بصورةٍ حاسمة لإنهاء اعتماد الاقتصاد الكامل على النفط غير المستدام.
وكان ماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار السعودي، قال في مقابلة مع وكالة فرانس برس الفرنسية، في 13 ديسمبر الماضي، إنَّ التحقيق في قضايا الفساد كان يجب أن يحدث دون تأخير؛ حتى يعرف المستثمرون أنَّ هناك "بيئة عمل متكافئة"، وأضاف: "لا يمكننا التسامح مع فكرة أنَّ من يرغب في إقامة عمل تجاري بالسعودية عليه أن يرشي المسؤولين". ورداً على سؤالٍ طرُح بشأن الوليد، قال القصبى إنَّ الأمير الملياردير "يتفاوض على تسويته".
وقال دبلوماسي أميركي بالرياض، في برقيةٍ سرية من عام 1996 نشرها موقع ويكيليكس، إنَّ عدداً من كبار الأمراء عززوا ثروتهم بمشروعات "خارج الميزانية" حصلت على 12.5 في المائة من عائدات النفط في البلاد، وأضاف أنَّ بعض أفراد الأسرة الحاكمة استغلوا سلطتهم لمصادرة الأراضي وإعادة بيعها للحكومة بفائض يحقق لهم ربحاً.
وقال بول بيلار، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، ويعمل الآن أكاديمياً: "السعودية لديها نظام اقتصادي وسياسي قائم على الوضعية المتميزة للأسرة المالكة. واتخذت تحركات النظام الحالية شكلاً أفضل ما يمكن وصفه به، هو أنَّه ابتزاز. وبالطبع، لا يمكن فصل الطموح السياسي، وما يبدو أنَّه رغبة مجردة في تحقيق السلطة المطلقة، عن أيٍ من هذا".
ويورد التقرير نقلاً عن المحللة في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة "ستراتفور" الاستشارية ومقرها تكساس، إميلي هوثورن: "ستحدد حالة الوليد طبيعة القمع (مكافحة الفساد) للمستثمرين الغربيين"، وأضافت أنه كلما طال بقاء الوليد خلف القضبان ظهرت الحكومة على أنها "طرف غير مقنع".
ويقول الموقع إن "سحق المعارضة يناسب شكل السياسة العنيفة التي يقول الدبلوماسيون العرب والغربيون، إنها بدأت تثير قلق حتى بعض السعوديين". وينوه التقرير إلى أن الوليد ومن تبقى من المعتقلين لا يزالون محتجزين في فندق ريتز كارلتون، دون توجيه تهم لأي من المعتقلين، الذين يبلغ عددهم 159 شخصاً.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت منذ أيام أن الحكومة طلبت من الأمير الوليد 6 مليارات دولار مقابل إطلاق سراحه، وخسر الأمير منذ احتجازه ملياري دولار من ثروته، التي تقدر بـ 18 مليار دولار، منوهاً إلى أنه تم الإفراج عن وزير الحرس الوطني السابق الأمير متعب بن عبدالله بعد تسوية مالية بمليار دولار.
وينقل التقرير عن المتخصص في الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون في واشنطن، بول سوليفان، قوله: "الأمير الوليد قوي، ولديه صلات واسعة، وقد لا تنتهي القضية بشكل جيد في ضوء أنه يواجه جماعة قوية"، وأضاف أن التطهير "هو طريقة قاسية لإظهار أن طرق عمل التجارة القديمة لم تعد قائمة".
وأورد الموقع نقلاً عن شركة الملكة القابضة، منذ أسبوعين أن لدى مسؤوليها الثقة بالحكومة السعودية، منوهاً إلى أنها لم ترد على أسئلة للتعليق على تقرير الموقع، ولم يعلق مركز الاتصالات الدولية التابع للحكومة، الذي قال إن القانون السعودي يحمي خصوصية الأفراد.
ويفيد التقرير بأن النظام السعودي، تخلى عن الطريقة القديمة المتجمدة في صناعة القرار الداخلي، وكانت سياساته الداخلية أنجح من الخارجية، حيث ورط السعودية في حرب مكلفة في اليمن، وقاد تحالفاً لمحاصرة قطر، مشيراً إلى أنه في الوقت الذي تتقدم فيه القوات السعودية في اليمن، إلا أن صواريخ الحوثيين وصلت إلى الرياض.
ويذكر الموقع أن المملكة حملت مسؤولية الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في العاصمة السعودية الشهر الماضي، فيما ينفي المسؤولون السعوديون إجبارهم الحريري على الاستقالة، إلا أن غضباً شعبياً اندلع في لبنان، وأدى إلى تدخل فرنسي ومصري وأمريكي لإخراج الحريري وعائلته من السعودية.
ويشير التقرير، إلى سلسلة من الإجراءات الداخلية، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، وخطة إصلاح اقتصادي. ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى قول هوثورن: "لدينا العديد من الأسباب لنكون متفائلين حول خطط النظام المحلية وليس الخارجية"، مشيرة إلى أنه عزز من قوته داخلياً، فيما فشلت كل محاولة خارجية بادر إليها.
وكالات