انتهت فترة التحالفات الانتخابية، للكيانات السياسية العراقية التي ستشارك في الانتخابات المقبلة، وأصبحت هويتها واضحة للناخب العراقي، رغم إن هذه التحالفات جاءت مختلفة عن سابقاتها بعض الشيء في الشكل، لكنها لا تختلف في المضمون.
فالأكراد رغم انفصال عرى تحالفهم في هذه الانتخابات، ودخولهم بقوائم منفردة نتيجة الخلافات السياسية والاقتصادية، والصراع على السلطة في الإقليم، إلا إنهم في النهاية ستكون أصواتهم مشابهة لما حصلوا عليه في الانتخابات السابقة، وهم في النهاية سيتحدون في كتلة واحدة، حفاظا على مكتسباتهم القومية التي لن يفرطوا بها، رغم حجم الخلافات بينهم.
المكون السني هوية الكتل المرشحة واضحة المعالم أيضا، رغم خوفهم الشديد من جماهيرهم التي خذلوها خذلانا شديدا، ولم يتفاعلوا مع ما جرى بها طوال الأربع سنوات الماضية، ولكن في النهاية لا نتوقع من جماهير هذه المناطق المنكوبة، أن تختار مرشحين خارج مكوناتها القومية أو الطائفية، وتبقى مراهنة كتلة الجبوري على حصان طرواده (اياد علاوي)، لاختراق الصف الشيعي وكسب أصوات خارج المكون السني ضعيفة، بسبب أن هذه الشخصية ابتعدت كثيرا عن التفاعل مع الشارع السياسي الشيعي منذ مدة طويلة، ولم يعد لها تأثير فيه، رغم الدعم الخارجي من دول الخليج لاسيما السعودية وقطر.
إما التحالف الوطني العراقي الذي يمثل المكون الشيعي، فقد انقسمت كتله الى اتجاهات متعددة، رغم محاولات توحيده من قبل رئيسه السابق، إلا إن هذه الكتل سلكت كل منها طرقا خاصة بها، وراحت تستند على عوامل قوة تختلف فيما بينها، وظهر هذا جليا في ائتلاف مكونات هذا التحالف وتحضيرها للانتخابات القادمة، على الرغم من إنها ترفع شعارات تكاد تكون متشابهة، من اجل كسب أصوات الناخبين التي لن تتعدى مكونها الشيعي، مهما أضافت لها من شخصيات أخرى، سواء كانت كردية أو عربية سنية.
أصبح واضحا للكثير، إلا البعض من الجمهور الذي لا يفرق بين الناقة والجمل، والملتزم بالحزبية الضيقة التي لا تجعله يرى أبعد من طرف انفه، أن ائتلاف النصر فصله العبادي على مقاسه الانكليزي، الذي يحضى بدعم أمريكي ومباركة خليجية، ولا يسمح لها بضم قوائم تحمل نكهة إسلامية إلا أن كانت مسلوبة الإرادة، وممكن أن تسير بالركب برمي عظمة من مغانم السلطة، وهذا ما حصل بعد مجيء العبادي من مؤتمر دافوس، والانفصال الذي حصل بينه وبين تيار الحكمة، وهو قد ترك مسبقا شطر الدعوة الثاني الذي تعكز على إيران في الفترة الماضية، ولم يعطي ضمانات لفتح كي يأتلفوا معه.
تحالف فتح الذي يسمي نفسه تيار الممانعة، والذي يصر على إعطاء نفسه صبغة طائفية وليست وطنية، صرح قادته جهارا نهارا بولائهم لإيران، وأنهم يتشرفون أن يكونوا جنودا عند قاسم سليماني أو أن يدفنوا في احدي قبورها، محاولين استغلال فصائل الحشد الشعبي والتفاف الجماهير العراقية حوله، لأغراض سياسية واضحة هدفها الوصول الى السلطة والحصول على رئاسة الوزراء، محاولين استنساخ تجربة حزب الله في لبنان، دون أن يراعوا أن العراق دولة تختلف عن لبنان، في عمقها الاستراتيجي وطبيعة شعبها ومكانتها الإقليمية والدولية، ولكن في المحصلة هو شعار انتخابي ربما سيتغير حين الجلوس على الكراسي، لكن الولاءات لن تتغير فهم خيار إيران ضد الخيار الأمريكي الخليجي.
إما مقتدى الصدر، فهو كرياح الخريف كل لحظة تتغير في اتجاه، ولا تستطيع جهة التعويل عليه والتحالف معه، وليس محل ثقة من جميع الائتلافات، وما تحالفه مع الحزب الشيوعي والتيار المدني إلا لغرض الظفر بأصواتهم، والمجيء بمشروع جديد يوهم به الناخبين، بعد أن عجزوا طيلة الفترة الماضية عن الإتيان بمشروع خاص بهم، فما يعنيه هو الحصول على اكبر قدر من الفائدة في أي حكومة تتشكل، وتجربته مع حكومة المالكي الثانية وحكومة العبادي اكبر برهان، وهو بالمحصلة منفذ للإرادة الأمريكية والسعودية سواء علم ذلك أم لم يعلم.
تيار الحكمة الذي يتعكز على طرح جيل شبابي جديد، وخطاب سياسي معتدل، فرض عليه واقع الإصطفافات الإقليمية والدولية ورغبة مؤسسيه، أن يبقى حماما محلقا وسط صقور هذه التحالفات التي ستهاجمه عن اليمين واليسار، مراهنا على وعي الناخبين وبرنامجه الانتخابي، وإشارات من مرجعية النجف توضح للناخبين كيفية الاختيار، وأن لم يحدث ذلك فيكون فستكون مشاركة هذا التيار في الانتخابات أشبه بالانتحار، مع هذه الكيانات التي لن تدخر أسلحتها الفتاكة في حمى التسابق الانتخابي، من اجل الإطاحة بخصومها.
مع قرب موعد الانتخابات، سيكون الصراع الدولي على أشده على ارض العراق، وستكون ورقة الناخب هي السلاح المستخدم فيها، نتيجته إن الأطراف المتصارعة الشرقية والغربية ستجلس قبالة بعضها بعد الانتهاء من فرز الأصوات، والخاسر في ذلك كله هو العراق والشعب العراقي، الذي لن يحسن الاختيار هذه المرة أيضا.
أسعد الموسوي