من حقائق قوة الإيمان في نفس المؤمن، ترفع مقتضيات الأيمان فوق كل شيء، وتجعل المؤمن وثيق الرابطة بما يمليه عليه إيمانه، لا يشغله عن ذلك شاغل.. ومهما اشتد البلاء، فإن المؤمن لا يزاد إلا ثباتاً ويقيناً، ذلك لأن قوة الإيمان في القلب، تمد المؤمن في كل أحواله بنور الاهتداء، وكمال الرجاء , ذلك شأن المؤمن في كل أموره، في عبادته لله ، وذكره إياه، وفي حرصه على مرضاة الله، مهما تكاثرت عليه مشاغل الحياة، وفي خضوعه دائما لأمر الله وحكمه، وفي كمال ثقته بالله، قولا وعملا، وقلبا، وجسداً، وعقيدة، وسلوكا، كذلك من شأنه ألا يهادن أهل الباطل، أو يلين في مقاومتهم..
وهكذا يتبين للمسلمين أن الإيمان ليس قولاً بلا حقيقة، وليس ادعاء بغير دليل أو برهان، ولقد فهم المسلمون القرآن الكريم، وتمثلوه في نفوسهم، وجسدوه في أعمالهم، فكانوا بذلك مثار الناس في يقينهم الثابت، ونشاطهم الدائب، وسلوكهم الفاضل، وأخلاقهم العظيمة، وعمارتهم للأرض، وعبادتهم لله، تجاوباً بذلك كله مع حقيقة الإيمان، فدانت لهم الدنيا، وتبوأوا قمم المجد، وصاروا في أسمى مراتب الحياة الحرة الكريمة.
ومن هذه الرؤية كان اجمل الصور الواضحة النقية التي بينها المحقق الاستاذ الصرخي عن الايمان بالله سبحانه وتعالى والانشداد له بصدق واخلاص قائلاَ:
((الإيمان بالله والشعور الغريزي العميق بالتطلع نحو الغيب والانشداد إلى المعبود لابد له من توجيه وتسديد وتحديد الطريق والسلوك المناسب لإشباع هذا الشعور وتعميقه وترسيخه، لأنه بدون توجيه سيضمر هذا الشعور وينتكس ويمنى بألوان من الانحراف والشبهات مما يؤدي إلى ارتباط غير صحيح وإلى إيمان ضعيف وإلى شعور وتطلع إلى الغيب ليس له حقيقة فاعلة منتجة في حياة الإنسان، فيكون الإنسان غير قادر على إنتاجية طاقته الصالحة الدينية والعلمية والأخلاقية.))
انتهى كلام المحقق الاستاذ
لذلك، لا يعود الإيمان مجرد فكرة تجريدية، بل يتحول إلى عنصر حيّ متحرك في كلّ مفاصل الذات وفي كلّ أوضاعها. وهذا ما نقرأه في كلمة للإمام عليّ (عليه السلام ) فيما روي عنه (ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله)فكلّ ما يراه من ظواهر الكون ومن تفاصيله، يرى الله في داخله؛ لأنّ الله هو سر الوجود كلّه، فليس هناك أي وجود إلّا والله هو الذي خلقه، وهو الذي أتقنه، وهو الذي أعطاه قانونه وحرك كلّ أوضاعه.
مقتبس من الرسالة العملية - المنهاج الواضح - كتاب الصوم للمحقق الأستاذ الصرخي
أحمد الركابي