سعى إعلام دول الحصار المفروض على قطر إلى تصوير الباطل حقا والحق باطلا، حتى لو كان الأمر يتعلق بمناسك الحج والعمرة؛ ومحاولات تسييسه التى لجأت إليها السلطات السعودية الموسم الماضى للضغط على قطر وحرمان أهلها من أداء فريضة الركن الخامس، حيث امتنعت وزارة الحج والعمرة السعودية عن التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لتأمين سلامة الحجاج وتسهيل أدائهم للفريضة.
وما إن مضى شهر رمضان وعيد الفطر — الذي راهن العقلاء على مراجعة دول الحصار نفسها وتحكيم العقل لإنهاء هذا الحصار الجائر قبل حلوله — حتى حرصت المملكة على تحويل موسم الحج إلى مناسبة جديدة للافتراء على قطر، مدفوعة بتصفيق شركاء الحصار، متجاهلة أنها بهذا المنطق تكون هي التي تسيس هذه الشعيرة وليست قطر، لكنها — كما يقول المثل العربي — “رمتني بدائها وانسلت”.
لقد أثارت تلك الخطوة السعودية استياء دول العالم الاسلامى وانتفضت منظمات اسلامية شرقا وغربا ضد تلك الممارسات السعودية ليس انتصارا لقطر فحسب؛ ولكن لبقية العالم الاسلامى الذى قاسى مواطنو كثير من بلاده من تلك الحماقات السعودية فى إدراتها للحرمين الشريفين طوال العام.
هذه الحالة استرعت اهتمام المنظمة العربية لحقوق الإنسان التي أكدت أن وزارة الحج السعودية رفضت التواصل مع وزارة الأوقاف القطرية لاستلام قائمة حجاج هذا العام، وإتمام الإجراءات الخاصة بتيسير حجهم وتوفير ضمانات لسلامتهم.
وانتقدت المنظمة “تلاعب السلطات السعودية بحق أساسي هو حرية ممارسة الشعائر الدينية بأداء فريضة الحج”. خاصة أن المراقب للمنطق السعودي السائد في لغة الخطاب التي أفرزتها مغالطات وأكاذيب الحصار، يجد أن الرياض هي التي تتوسع في تسييس الحج.
وفى هذا السياق بثت وكالة اسوشيتد برس الأمريكية تقريرا خلال موسم الحج الماضى جاء فيه: عندما يصل 1.7 مليون حاج هذا الأيام لأقدس بقعة للمسلمين على وجه الأرض “مكة المكرمة”، سيجري تذكيرهم فوراً بأنَّ الأسرة الحاكمة في السعودية هي الراعي الوحيد المسؤول عن هذا المكان. بهذه الجملة الصادمة استهلت وكالة أسوشيتد برس تقريراً لها حول نهج السعودية على مدى تاريخها في استغلال الحج لتحقيق أغراضها السياسية. ويلفت التقرير إلى أنه في هذه البقعة المقدسة، هناك صور كبيرة مُعلَّقة للملك سلمان بن عبد العزيز ومؤسس البلاد في ردهات الفنادق في جميع أنحاء المدينة. ويسلِّط أحد الأبراج العملاقة الذي يحمل اسم سلف الملك سلمان، الملك عبد الله بن عبد العزيز، أضواء الفلورسنت الخضراء على المتعبِّدين في الحرم أدناه. بالإضافة إلى تسمية جناح جديد كبير من المسجد الحرام في مكة المكرمة باسم ملكٍ سعودي سابق، بينما يحمل أحد مداخل المسجد اسم ملكٍ آخر. ويعلق التقرير قائلاً “وهذه ليست سوى طريقةٍ واحدة من الطرق العديدة التي تستغل بها السعودية إشرافها على فريضة الحج لتسييسها لتعزيز مكانتها في العالم الإسلامي.
* ليست المرة الأولى
لطالما كانت فريضة الحج جزءاً من السياسة السعودية، حسب أسوشيتد برس. فعلى مدار نحو 100 عام، كانت الأسرة الحاكمة تُقرِّر مَن يدخل مكة المكرمة ومن يخرج منها، ووضعت حصصاً معينة لتحديد عدد الحجاج الوافدين من مختلف البلدان الأخرى، وسهَّلت إجراءات تأشيرات الدخول عن طريق السفارات السعودية في الخارج، ووفَّرت أماكن لإقامة مئات الآلاف من الحجاج في مكة المكرمة وحولها. وكانت المملكة تحصل على الإشادة لحُسن إدارتها الحشود الهائلة التي تتوافد على مكة سنوياً، لكنَّها كانت تتعرَّض للوم حين تسوء الأمور في أثناء الحج.
وتمضى الوكالة (ومع ذلك، قالت الحكومة السورية إنَّ السلطات السعودية تواصل فرض قيودٍ على المواطنين السوريين، الذين يتطلَّعون لأداء فريضة الحج. وصار الحج أكثر تداخلاً مع السياسة في أعقاب أزمة الخليج. وقدمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر شكوى إلى المُقرِّر الخاص التابع للأمم المتحدة المعني بحرية الدين والعقيدة بسبب القيود المفروضة على مواطنيها الراغبين في أداء فريضة الحج هذا العام. وتطرح الوكالة سؤالا: هل يمكن تشكيل هيئة مستقلة للحج؟
* الحملة الدولية لمنع تسييس المشاعر
وأمام تلك الانتهاكات السعودية انطلقت في العاصمة الإندونيسية “جاكرتا” الحملة العالمية لمنع تسييس المشاعر الدينية في المملكة، وهي حراك عالمي رافض لتسييس السعودية للأماكن المقدسة. وقالت الحملة في بيانها التأسيسي إن انشاءها جاء رداً على ممارسات السعودية المتهورة وغير المحسوبة العواقب التي بدأت بمنع كل شخص لا يتفق معها سياسياً، من ممارسة شعائر الحج والعمرة، وانتهت بمنع شعوب وطوائف بأكملها. وذكرت الحملة في بيانها التأسيسي أنها حراك عالمي، يركز بشكل خاص على العالم الإسلامي والجاليات المسلمة في الغرب بما في ذلك أمريكا واستراليا ونيوزيلاند، وتسعى لضمان حرية العبادة لكافة المسلمين على اختلاف توجهاتهم السياسية أو انتماءاتهم العرقية.
وأكدت في بيانها أن جوهر الحملة مبني على حق كل مسلم في شتى أرجاء المعمورة في ممارسة شعائر الإسلام الدينية. وشددت “الحملة العالمية، في بيانها التأسيسي على أن الحراك جاء كرد طبيعي على سياسة السعودية في تسييس شعائر الحج والعمرة وزيارة الأماكن المقدسة بصورة خطيرة، حيث تقوم بمنع الكثير من المجموعات والأفراد حتى الشعوب من ممارسة حقهم الأصيل في العبادة والوصول للأماكن المقدسة.”
وعن مبررات وأسباب الانطلاق، قالت الحملة ان السعودية اعتقلت مؤخرا عددا من المعتمرين بسبب انتمائهم لمجموعات وأحزاب سياسية معارضة لها، شمل ذلك بلدانا إسلامية مثل اندونيسيا وماليزيا ونيجيريا والسودان، فيما تقوم السعودية أيضا بمنع الحجاج والمعتمرين من زيارة الأراضي المقدسة لعدة أسباب أبرزها، وجودهم في بلدان على خلاف سياسي مع السعودية، أو بسبب أنشطتهم السياسية ومعارضتهم للسعودية، وفي أحيان أخرى لقيامهم بانتقاد النظام والحكومة السعودية.
وأكدت الحملة أنها تهدف لضمان حرية العبادة وزيارة الأماكن المقدسة لكل المسلمين، إضافة إلى كشف الممارسات التي تقوم بها السعودية في هذا المجال، إلى جانب إنشاء تحالف إسلامي جامع يعمل على ضمان حرية المسلمين في العبادة.وأضافت أنها بصدد إنشاء فروع لها في كافة الدول المسلمة وذلك لمتابعة ما تقوم به السعودية من انتهاكات ضد الشعائر.
* التقرير الأول
وبالفعل أصدرت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين منذ يومين تقريرها الشهري الأول عن شهر يناير 2018، رصدت فيه أبرز انتهاكات السعودية ضد حق المسلمين في ممارسة عبادتهم بحرية ودون قيود وفشل السعودية في إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في المملكة.
وقد جاء التقرير نتاج رصد ميداني من قبل طواقم الهيئة العاملة في الميدان للانتهاكات التي قامت بها الإدارة السعودية.وشملت الانتهاكات والأنشطة ممارسة الابتزاز السياسي على حساب حصص الحج وعمليات فساد كبرى في إدارة الحج والعمرة واستخدام المنابر المساجد لأغراض سياسية وتغيير مكان الصلاة واعتقال معتمرين وترحيل معتمرين بطرق غير قانونية ورفع الرسوم المالية لأداء الشعائر وتقصيرالإدارة السعودية في الرقابة على المصاحف وأنشطة وفعاليات الهيئة الدولية خلال شهر يناير 2018.
وضم التقرير بعض الحقائق والشهادات والشكاوى على انتهاكات السعودية في إدارة الحرمين قدمها للهيئة أشخاص من جنسيات مختلفة وأبرزهم مصريون واردنيون وأفارقه، وأرقام وحقائق عن عدد المعتمرين المرحلين وعدد نسخ القرآن المحرفة التي كشفتها الهيئة في السعودية وايضاً رسوم العمرة الجديدة.
وكالات