ما أشبه اليوم بالبارحة، واختلاف المبادئ، التي تتغير وفق المصالح الشخصية، المعتمدة أساسًا على المادة والمتغيرات السياسية، ومحاولة القفز من السفينة كلما عصفت الأمواج العاتية بربانها، الذين يحاولون قدر الإمكان مواجهة الأقدار والعواصف، رغم التهديدات التي تحيط بهم من أجل الحفاظ على وطن قٌدّر له أن يحارب من كل العالم، حتى أقرب المقربين، من أجل نفوذ ما أو تبادل تجاري، أو مصالح معينة مع إدارة أميركية جديدة، أو تعددات إقليمية جديدة.
عندما تطرأ تغيرات في السياسة، أو تتعرض القيادة لضغوطات إقليمية يحاول الضاغط قدر الإمكان اللعب عن على أوتار جماعات الضغط لمساعدته في إضعاف الحصون واختراق أبوابها من أجل إحداث بلبلة وارباك في المشهد السياسي من الداخل، لكي يُثار لدى الجميع أن النهاية اقتربت، فيحاول ضعاف النفوذ القفز قدر الإمكان من سفينة الربان باحثين عن طوق نجاة جديد، لكنه في الحقيقة، قتل للهمم، وضياع لمستقبلهم السياسي، ودفن تاريخ نضالهم الطويل نتيجة ضعف موقفهم، والتخلي عن مبادئهم، بالطريقة التي يرونها هم مناسبة، وفي حقيقة الأمر، تعكس رغبة عدوهم.
إن اصرار القيادة الفلسطينية المتمثلة في شخص الرئيس محمود عباس وإصراره على بناء دولة المؤسسات وفق الرؤية التي طرحها رئيس الوزراء د. رامي الحمدالله، فور توليه رئاسة الحكومة الفلسطينية، واعتماده على خطط التقشف، والدفع باتجاه تنمية عجلة الإنتاج، والبناء الإقتصادي الحر، والاكتفاء الذاتي، لعدم التأثير على القرار الفلسطيني المستقل، من أجل نيل الحرية واستقلال الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، أثارت غضب الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة ترامب، بالإضافة إلى الإحتلال الإسرائيلي، الذي عمد ويتعمد باستمرار إضعاف وتقويض السلطة الوطنية الفلسطينية، وعرقلة كل مشاريعها التنموية، من خلال التوسع الاستيطاني، وتكثيف هجماته البربرية، وإشعال وتيرة العنف في الأراضي الفلسطينية كافة، وتحييد قطاع غزة، والتآمر على ترسيخ مفهوم الدولة الفلسطينية فيه، بالإشارة إلى ضم أراضي من سيناء للقطاع، وفق ما يعرف بـ"صفقة القرن" المبهمة، والتي تشارك فيها أطراف عربية، من أجل الضغط على القيادة الفلسطينية وأطراف داخلية للقبول بها.
المُجحف في الأمر والذي يثير الإستياء أكثر فأكثر هو بعض العناصر الهدامة، عديمة المسؤولية والفكر، والتي تراقصت على عواطف ضعفاء النفوس والعقول، وحاولت قدر الإمكان استقطابهم لأفكارها الهدامة، يخرجون بين الحين والآخر يطالبون بإلغاء مشروع السلطة، وهدم مؤسساتها، ودعوة اسرائيل لإعادة احتلال الضفة الغربية، وكان آخرها بروز الزميل الإعلامي ناصر اللحام عبر لقاء على فضائية معا الذي يرأس تحريرها ويطالب بإلغاء منصب رئيس الوزراء، والعودة لتولي الرئيس محمود عباس مسؤولية ادارة الحكومة، وكأن الرئيس مالك "الفانوس السحري" وتجرد من كل مسؤوليتاه ليتفرغ لمراقبة هموم كل مواطن عن قرب، ويترك مشاغله الخارجية والمؤامرات الإقليمية والدولية، وينشغل بمتابعة الأمور الداخلية، وكأنها خطة مدروسة ضمن "صفقة القرن"، يسوق لها زميلنا ناصر اللحام عبر مرئيته من أجل إضعاف حلقات القيادة الفلسطينية، وتشتتها ليسمح لأعداء الثورة بالإنقضاض على المشروع الوطني وتصفية وتهويد القضية الفلسطينية، بأسلوب إعلامي استند فيها على مخاطبة ضعفاء النفوس، وعديمي الخبرة السياسية.
الأمر الآخر هو انتقاده لتنازل رئيس الوزراء د. رامي الحمدالله، وذهابه مكرهًا للإجتماع مع ما يسمى منسق حكومة الإحتلال في الأراضي الفلسطينية يوآف مردخاي، حاملًا معه ألم وأنين وأوجاع كل مواطن في قطاع غزة، وهنا لابد من وقفة قوية عند هذه النقطة بالتحديد, وهي تكمن في السؤال الأهم، لماذا ذهب رئيس الوزراء ليلتقي بمردخاي؟, هل ذهب من أجل الضفة الغربية؟، هل ذهب من أجل تسهيل مهام مؤسسات الحكومة، وطلب تسهيلات لها في مدن الضفة الغربية؟, الذي أجابنا على كل هذه التساؤلات هو منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية نيكولاي ميلادينوف، عندما صرح في بيان له وزعه على وسائل الإعلام، بأن لقاء رئيس الوزراء بمردخاي جاي من أجل وجع، وألم، المواطنين في غزة، ووصف طابع اللقاء بأنه إنساني بامتياز، وتمحور حول مطالب غزة بالكامل والتخفيف عن الحصار المفروض عنها، والعمل على إدخال مواد إعادة الإعمار للبيوت والمنازل التي دمرت في حرب تموز من العام 2014، فضلًا عن مطالبته بإعادة صياغة اتفاقية اعادة الإعمار المعروفة بالسيستم أو "GRM"، لما كان لها أثر كبير في إعاقة عملية الإعمار والتي تمت بطلب ومباركة من أطراف لها علاقة بالأمر مباشرة، واضطرت الحكومة لقبولها من أجل البدء الفوري بإعادة الإعمار ولمدة ستة أشهر، قابلة للتجديد, ورأى دولته أنه آن الأوان لتعديلها، والطلب بتسهيلات لتمكين الحكومة الفلسطينية من مباشرة عملها بالشكل المطلوب في القطاع.
التساؤل الأبرز والمهم هنا، ماذا كنت تقصد يا زميلنا من دعوتك لحل السلطة الفلسطينية، والتخلي عن منصب رئيس الوزراء، وعلى ماذا استندت في اتهامك بأن هذا المنصب شكل عبئًا على السلطة الفلسطينية؟، ولماذا تدعو في هذا التوقيت بالذات وتتساوق مع الأفكار الأميركية، التي عرفة بصفقة القرن، للقضاء على مؤسسات الدولة،،، من دفع لك من أجل أن تخرج وتهاجم مؤسسة الرئاسة والحكومة، وتطالب بعودة احتلال الضفة الغربية، من يرعى شؤون الموظفين، والعمال والأسرى والمحررين ومخصصات الشهداء، الذي تحاربهم أميركا واسرائيل، ويتآمر العالم كله على النضال المستميت من أجل تحرير الوطن، لا ننسى أن راتبك، وميزانية شبكتك الإعلامية من مؤسسات أجنبية داعمة، أسست من أجل فرض وجهة النظر الأوروبية في الأراضي الفلسطينية، إذا فلا يهمك أن يعود الإحتلال من أجل أن تعمل على توسيع إمبراطوريتك بحرية أكبر، وبدعم خارجي مضمون، مكفول.
زميلي العزيز من لا يشعر بآلام الناس، أدعوه للكف عن التلاعب بمشاعر الآخرين، ومن لا يشعر بآلام غزة، والشهداء والجرحى والأسرى، أدعوه أيضًا للكف عن محاربتهم، إذا كان همك الوطن وهمك آلام غزة، لماذا كنت أول من غرزت خنجرك في خاصرتها، وأغلقت مكتبك فيها وطردت موظفي وكالتك منها واستغنيت عنهم دون سابق إنذار أو منحهم حقوقهم التي شرعها القانون الأساسي وكفلها الدستور الفلسطيني؟.
لازلت أكرر دعوتي لك بالعودة إلى صوابك الذي أفقدته الإغراءات والمشاريع الصهيوأميركية، والدعم الأوروبي المشروط، والتساوق مع الأفكار الهدامة، والنزول عند رغبة المواطنين والدفاع عن حقوقهم، بدلًا من محاربتهم، وبدل أن تنتقد لقاء دولة رئيس الوزراء المُكره والذي جاء من أجل الأوضاع الإنسانية في غزة مع منسق حكومة الإحتلال، أدعوك لدعم المواقف الوطنية والإنسانية والعمل على الترويج لها عبر منابرك الإعلامية، والتطرق للوضع الإنساني المريب والمخيف الذي يعيشه المواطنين في القطاع، فلا تنسى غزة أنك حاربت كل من حاول كسر الحواجز من أجل استعادة كرامتها وانسانيتها، ولا تنسى انك حاربت منسق مؤسسات القطاع الخاص علي الحايك في عام 2010 عندما سُرب لك لقاء فيديو دفع مقابله عشرون ألف دولار من أجل الترويج له علمًا أن اللقاء كان أيضًا انسانيًا وتساوقت مع الرؤية الإحتلالية وتجاهلت مضمون اللقاء الذي أثمر عن ادخال آلالاف الأطنان من الإسمنت ومواد البناء من أجل اعادة إعمارها بعد الحرب الأولى.
إذا كنت تحاول تقليد الآخرين، فمن الصعب أن تتقمص شخصية السكلانص، وابحث عن ذاتك من خلال مهنيتك الذي عرفك الناس من خلالها, وتذكر أن التاريخ لا يرحم...!
بقلم / اياد العبادلة