منذ تسنمه منصب رئيس مجلس الوزراء، حرص العبادي على التعامل بهدوء إعلامي، مع المشاكل التي واجهت عمله في هذا المنصب، الذي لم يكن يتصور أنه سيحصل عليه، بعد أن تم ترشيحه نائبا لرئيس مجلس النواب في دورته الحالية، ولكن يبدو أن مشيئة الأقدار كانت هي الغالبة لا مشيئة العبادي.
فالبلد كان شبه محتل من الإرهاب، الذي وصل الى إطراف بغداد واخذ يتغلغل فيها، والمنظومة الأمنية منهارة والقوات المسلحة تكاد تكون مفككة، وأفواج المتطوعين الذاهبين لمقاتلة داعش تتسابق الى السواتر، دون خطط مدروسة واليات تنظم عملها، وميزانية البلد خاوية بسبب الفساد المالي والإداري وتجييرها لإغراض انتخابية، جعلت من التغيير ضرورة لامناص عنها لإنقاذ البلاد والعباد من المجهول، فكان قدر العبادي أن يكون رئيسا للوزراء، من نفس الطائفة السياسية والمنظومة الحزبية لمن سبقه.
لم يكن تولي رئاسة الوزراء من قبل العبادي بالأمر الهين على السيد المالكي، الذي ادخل البلاد في حالة إنذار قصوى، وكاد يحدث ما لا يحمد عقباه لولا الكروت الحمراء التي جاءته من الداخل والخارج، وهو الذي كان يرفع شعار " ما ننطيها"، الأمر الذي ولد شرخا بين العبادي والمالكي ومنظومتهما الحزبية، التي انقسمت الى فريقين واستمر التراشق الإعلامي المبطن بينهما طيلة الفترة الماضية، فهذا يدعوه بالمنبطح وهذا يدعوه بالقائد الضرورة، وهذا يدعوه بالضعيف وهذا يدعوه بسارق ثروات البلد، رغم إنهما عند الضرورة القصوى وفي غرف حزب الدعوة يجلسان مع بعضهما، ويتبادلان الابتسامات ويتشاركان في القرارات المهمة.
حاول العبادي أكثر من مرة إثبات قوته في حزب الدعوة والإطاحة بالمالكي، سواء بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ومن ضمنهم غريمه وصديقه، أو محاولة إزاحته من منصب الأمين العام لحزب الدعوة، إلا إن المالكي بسبب قوته في حزب الدعوة، وإحاطته بمنظومة بناها خلال فترة توليه رئاسة الوزراء ومنها أقاربه وأصهاره، ووصول البلد الى مرحلة الانتخابات العامة، جعلت هذا الصراع يتأجل الى إشعار آخر، فحزب الدعوة لا يريد ضياع المكتسبات التي حصل عليها وجعلته ممسكا بالسلطة لأربع دورات متتالية، أن تضيع في صراع جانبي.
كان الحل الأمثل للطرفين، من اجل عدم ضياع السلطة وبقائها في فلك حزب الدعوة، أن يترشح الرجلان في قائمتين انتخابيتين مع إستمرار لعبة جر الحبل والتراشق الإعلامي فيما بينهما، فلا بأس بذلك مادام الأمر يحقق الغرض منه، لذلك لم نر العبادي يسمى غريمه في كل خطابات ولم يقدح به ولو مرة، رغم إعطائه الإشارات الواضحة على الفساد المالي والإداري، وإنما كان يعبر عنها " البعض " ولم نعرف طوال أربع سنين من هم البعض الذين يقصدهم العبادي، وإن عرفنا قصده عاد في اليوم الثاني وتراجع عن قوله.
يبدو إن هذه اللعبة قد أعجبت الفريقين من حزب الدعوة، مادامت تأتي بالنتائج المرضية، فلا عجب أن نسمع إنهم شكلوا غرفة عمليات واحدة لإدارة الانتخابات سياسيا وماليا وإعلاميا، فالهدف واحد والغاية واحدة هو الحصول على السلطة ومغانمها، ولن نتعجب من التراشق الإعلامي الذي ربما سيزداد بين الرجلين، وصولا الى الليلة الكبيرة بعد إجراء الانتخابات وإعلان اندماج التحالفين في كتلة واحدة، وبالتالي الحصول على رئاسة الوزراء مرة أخرى.
أسعد الموسوي