على النقيض من تاريخها الفكري المتشدد وإرثها الوهابي التكفيري المنغلق يدفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المملكة نحو الانفتاح والترفيه اللامحسوب غير مبال بمآلات الأمور وعواقبها مستبدلا هيئة الأمر بالمعروف بهيئة الترفيه لضبط إيقاع هذا التحول الذي يجتاح المملكة السعودية بميزانية تقدر بما يقارب 240 مليار ريال سعودي أي ما يعادل 64 مليار دولار سيجري اقتطاعها من القطاعين العام والخاص كمشاريع استثمارية ترفيهية في السنوات العشر المقبلة.
ما يسمى بهيئة الترفيه السعودية وعلى لسان رئيسها أحمد الخطيب أعلن مؤخرا البدء في إنشاء دار الأوبرا وخلال حفل إطلاق وتدشين روزنامة الترفيه للعام الجاري في الرياض لفت الخطيب إلى أن الهيئة أقامت خلال العام الماضي 2200 فعالية، وتهدف للوصول إلى 50 ألف فعالية في عام 2030 وهو الموعد النهائي لاستكمال رؤية بن سلمان الاقتصادية والتي ترتكز في ظاهرها على معالجة العجز في الميزانيات السعودية وتوفير مصادر للدخل بعيدة عن النفط.
قد لا يكون الرقم مبالغا من حيث عدد الفعاليات ويمكن تجاوزه في أقل من المدة المحددة في ظل وجود مشايخ متلونه في البلاط السعودي وفتاوى جاهزة يمكن تبديلها وإعادة تفصليها حسب الطلب وبما يتلاءم مع رغبات واشنطن وينسجم مع التقارب المتسارع بين الكيانين السعودي والإسرائيلي.
وفي ثلاثية السلطة والمال والتوجه الأمريكي تسقط كل المقاييس في السعودية من أعلى الهرم السياسي إلى أدناه فلا غرابة مثلا في أن يعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في معرض تسويقه لهذا الانفتاح أمام البرلمان الأوروبي ان سلطات بلاده أوقفت أربعة آلاف داعية وخطيب مسجد ولا حرج حين يحمل الداعية السعودي المتشدد الورود ويجول بها في الشوارع العامة بمناسبة عيد الحب رغم تحريمه وتجريمه له، ومن يدري ماذا يخفي قادم الأيام من فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
واقع متناقض ومأزوم في الحقيقة وأرقام صادمة تكشف بجلاء المشكلة المتجذرة في السعودية والتي انتجت فكرا طائفيا تكفيريا متطرفا ومسموما صدرته إلى مختلف البلدان في العالم العربي والإسلامي وأضحت بسببه هذه الدول على شفا الانهيار نتيجة ما افرزته الجماعات التكفيرية من فوضى وإضطرابات، وبالتالي فإن من المستبعد أن تنجح أحلام بن سلمان في القفز على هذا الواقع، ولا شك في أن العواقب ستكون وخيمة على سلطته وطموحاته في الحكم.
ويبقى الجدل الصاخب بين السعوديين هو القديم المتجدد مع كل قرار أو دعوة ترصد خطوات هذا الانفتاح فيما اللافت في الأمر هو الاهتمام والمواكبة الصهيونية لهذا التحول الدراماتيكي تزامنا مع تسارع قطار التطبيع اذ كان حساب “إسرائيل” باللغة العربية أول المباركين لافتتاح دار الأوبرا السعودية، معتبرا إياها معقلا هاما للثقافة والموسيقى.
ولكسر تقاليدها الصارمة سبق وأن بشرت السعودية العالم بالسماح للمرأة بقيادة السيارات وإشراكها في النشاط الرياضي ودخولها الملاعب الرياضية، وأيضا إدخال التربية البدنية في مناهج مدارس التعليم العام للبنات، فضلا عن عزم النظام السعودي فتح منتجع الشاطئ على ساحل البحر الأحمر، للنساء الأجنبيات جنبا إلى جنب مع الرجال، بحسب تقرير لصحيفة “التايمز” البريطانية.
وهكذا يتدحرج الانفتاح السعودي ويتسارع حتى يغدو عاصفة قد تكون أسرع من عاصفة الحزم في تغيير نظام الحكم في المملكة.