هو المثقف الذي لايقترب من الآخر ليعرف من هو قبل أن ينتقده ويشتمه وينتقص منه في المجالس..
(المثقف المنحط) هو المثقف الذي يتملق الوزير والمسؤول ليحصل على المنصب والمستشارية والقرب..وأرى هذه الأيام العديد من (المثقفين المنحطين) الذين ينظرون للمسؤول على إنه كائن مقدس.. (المثقف المنحط) هو من يكون أداة رخيصة بيد هذا وذاك، ويتلون ويتجمل من أجل أن يحصل على بعض الحظوة عند هذا، وذاك من المسؤولين.
(المثقف المنحط) هو المتعالي على مجتمعه، والمنعزل عنه والذي يكتب لناس لاتقرأ، أو لاتفهم مايكتب لأنه يتعالى على أفهامهم وبساطتهم وحاجاتهم. هو المثقف المريض نفسيا، والذي ينقل عقده ونقصه الى النص الذي يكتبه. فكأنه مريض يعترف للطبيب بمايعاني من أعراض. هو المثقف الذي لاينزل الى الجمهور، ويتعاطف معهم، ويترفع عنهم في الغالب، هو الذي ينعزل مع مجموعات من المثقفين في المقاهي والحانات، وينتقد المجتمع، وينتقص منه، ويتبرأ منه، وفي ذات الوقت يطمح بقيادته وترؤسه وتوجيهه. وهو يشبه الى حد بعيد بعض الناشطات والمثقفات اللاتي يعشن في الأحياء الغنية في المدن المرفهة ويلبسن الثياب القصيرة، وتبدو أفخاذهن ونهودهن من خلال مايلبسن من ثياب شفيفة، ثم يتحدثن عن المرأة الريفية المسكينة، ويدافعن عنها، ويطلبن النهوض بواقعها، ولكنهن لايزرنها، ولايكن قريبات منها. فقط هن يتبجحن بالمساواة والعدالة الإجتماعية، ويحصلن على دعم مالي يسرقنه وينتفعن منه، ويستمتعن بوقتهن في النوادي الإجتماعية.
(المثقف المنحط) هو الذي يتكبر على الناس، وهو الذي ينتقد الجميع، ويريد كل شيء، ولايقدم بالمقابل تضحية من أي نوع، (المثقف المنحط) هو من يؤسس لحراك يقبض مقابله آلاف الدولارات من الخارج والداخل، ولكنه لايفعل أكثر من جمع بعض المريدين ليتظاهروا، ويظهروه كبطل قومي، وليتكلم على الشاشات، ثم بنهاية المظاهرة يأخذ المقسوم، ويذهب الى البيت، ويترك المتظاهرين البسطاء ليشبعوا ضربا من عناصر مكافحة الشغب.
(المثقف المنحط) هو من يظن أن الثقافة هي الإنتقاص من الناس وإعتقاداتهم وبساطتهم، وليس التماهي معهم، وسحبهم الى المنطقة الدافئة وحمايتهم وإنضاج أفكارهم، أو التخفيف من غلواء تعصبهم الديني والعشائري.
(المثقف المنحط) هو الذي يتخلى عن الفقراء والمساكين والمحرومين، ويرهن عطاءه للسلطة، وللمسؤول ولذوي النفوذ، ويهرب من بيئته التي نشأ فيها، ومن أهله وعشيرته وقريته، وينبذهم ويأنف منهم لأنه يعدهم عبئا عليه فعقدة النقص تحكم مشاعره وأحاسيسه وتعبث به.
هادي جلو مرعي
رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية