من هنا نرى أن كل وضع تقليدي راكد متمترس يخشى أثر الفكر النير الذي يتحداه أكثر مما يخشى صخب الحركة التي تنازعه. ذلك أنه إذ يستطيع مواجهة أيما حركةٍ بحركة أقوى، وأن يقابل أيَما عنفٍ بعنف أشد، فإنه لا يستطيع مواجهة فكر إلا بفكر أرقى وسلوك انقى ، وهو منه فقير.
ان حركة الفكر هو ما نشعر به بوجودنا، ونهتدي به إلى وجود ما حولنا، قريبه وبعيده، ظاهره وباطنه. هو ما ننطلق منه في تعاملنا مع كافة أمور الحياة، وما نحاول استنباطا به فهم خفايا الوجود. فإن كان فكرا سليما جاء نظرنا وأداؤنا سليما وفق نسقه، وإن كان فكرا معتلا جاء نظرنا وأداؤنا معتلا على شاكلته. من هنا ضرورة أن نحرص دوما على سلامة التفكير، وذلك باجتناب جميع مشوهات التفكير، أكانت عضوية الأثر، كمواد السكر والتخدير، أو نفسية الوقع، كالانفعالات التي تخرج المرء عن طور الرشاد، كما الغضبِ والغرور والحسد وكراهية الآخر ونزعة الانتقام، وكما الخوفِ والطمع والأثرة المجحفة بحقوق الآخرين.
من الواضح ان طبع الانسان يسري مسار غرائزه النفسية لذلك علينا ان نربي هذه الغرائز على جوهر الايمان والتعاطف الانساني مع شرائح المجتمع المسلم حتى تاخذ بنا الى وادي الامن والامان وتتفاعل مع واقع الحياة الاجتماعية
ومن ثم؛ اذا كانت الغرائز تحت قوة عقيدة التوحيد والإيمان لانها ضرورة لا يَستغني عنها الإنسان؛ ليستكمل شخصيَّته، ويحقِّق إنسانيته، ولقد كانت الدعوة إلى عقيدة التوحيد والإيمان، أول شيء قام به رسول الله(صلوات الله وسلامه عليه ) لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة الإسلامية؛ ذلك أن رسوخ هذه العقيدة في النفس الإنسانية، يسمو بها عن غرائز الماديات الوضيعة، ويوجِّهها دائمًا وجهة الخير والنُّبل، والنزاهة والشرف والرحمة والشفقة على الاخرين ، وإذا سيطرت هذه العقيدة أثمرَت الفضائل الإنسانية العليا؛ من الشجاعة والكرم، والسماحة والطُّمأنينة، والإيثار والتضحية
أما الانحراف عن العقيدة الصحيحة، فهو مَهلكة وضياع؛ لأن العقيدة الصحيحة هي الدافع القوي إلى العمل الصالح، والفردُ بلا عقيدة صحيحة يكون فريسة للأوهام والشكوك التي ربما تتراكم عليه، فتَحجب عنه الرؤية الصحيحة لدروب الحياة السعيدة؛ حتى تضيق عليه حياته، ثم يُحاول التخلص من هذا الضيق بإنهاء حياته ولو بالانتحار، كما هو الواقع في كثير من الأفراد الذين فقَدوا هداية العقيدة الصحيحة.
ومن هذا الجانب والسلوك العملي اوضح المحقق الاستاذ الصرخي في رسالته العملية نمو العرائز واشتداد وقعها في النفس اذا سارت مسار السلوك الايماني الحقيقي ,وهذا جزء من كلامه الشريف جاء فيه :
((الواضح أنّ أي غريزة تنمو وتتعمّق إذا كان السلوك موافقًا لها؛ فبذور الرحمة والشفقة مثلًا تنمو في نفس الإنسان من خلال التعاطف العملي المستمر مع الفقراء والبائسين والمظلومين، أمّا لو كان السلوك مخالفًا ومضادًّا للغريزة فإنه يؤدي إلى ضمورها وخنقها، فبذور الرحمة والشفقة مثلًا تضمر وتموت في الإنسان من خلال التعامل والسلوك السلبي من الظلم وحبّ الذات.))
مقتبس من الرسالة العملية - المنهاج الواضح - كتاب الصوم للمحقق الأستاذ الصرخي
احمد الركابي