لكي يعرف أننا نعرف عدد المرات (العلنية) التي أرغم فيها دونالد ترامب قادة السعودية على أن يفتحوا خزائنهم لأمريكا لا يحتاج وزير الخارجية السعودي عادل الجبير سوى إلى الإستعانة بـ (غوغل) ، كأن يكتب في خانة البحث (ترامب يحلب السعودية) ، وبدلالة هذه الجملة سيكتشف الجبير ما يعرفه كل الناس عن تراجيكوميديا الإنصياع السعودي المطلق للبيت الأبيض ، فأن يأتي بعد ذلك هذا الوزير الهمام ليزعم أن ترامب يقصد دولة قطر تحديداً حين أشار في معرض حديثه الإبتزازي التهديدي لأهل الخليج بأن (دولا ستسقط أنظمتها خلال أسبوع إذا توقفت واشنطنعن حمايتها) فهذا محض هراء مردود عليه من مَوقِعَيه ، الأول على رأس الخارجية السعودية حيث يوجد آرشيف الوثائق الدبلوماسية الثبوتية المتعلقة بمدفوعات الجزية الفلكية السعودية للأمريكان ، والثاني من أمام شاشة الحاسوب حين يصفعه (غوغل) تباعاً بعدد الشهادات الناطقة بالحقيقة الساطعة التي تقول : السعودية كأكبر محمية أمريكية على وجه الأرض هي أكبر بقرة حلوب لواشنطن .
تلك بديهية لا يختلف عليها إثنان بالنظر إلى تاريخ وشكل ومضمون العلاقة الأمريكية ـ السعودية منذ إكتشاف أول بئر نفطي في الدّمام (1938) وصولا إلى آخر زيارة بترودولارية قام بها (الملك المقبل) محمد بن سلمان إلى أمريكا وما رافقها من مشاهد كاريكاتورية أبى الرئيس (الصريح الوقيح) دونالد ترامب إلا أن يجعلها ذات نكهة فستقية عندما راح يستعرض (باللوحات الإرشادية ) المضحكة مجمل الصفقات المليارية التي أملاها على ضيفه النفطي السخي ، أفبَعْدَ كل هذا يتنطع الوزير الفكيه عادل الجبير لـيُقـوّل ترامب ما لم يقله ويحصر تصريحاته الإبتزازية بقطر دون البقية من الدول العربية الخليجية النفطية وعلى رأسها السعودية ؟! .
لقد كان ترامب واضحاً في تصريحه الذي حوّره الجبير بحماقة مفضوحة ، فالرجل (الحامي) لدول الخليج لم يحدد قطر بالإسم كهدف للتقريع الخشن والتعيير الأخشن، هو طلب صراحة من دول الخليج النفطية بعامّة أن تدفع ما عليها من أثمان الحماية الأمريكية لها بالشكل الذي يراه مناسباً، وهذه المرة كان يقصد ثمن الوجود العسكري الأمريكي (أو بديله) في سوريا ، لكن الوزير الجبير ولأنه لا يجرؤ على التنحنح أمام حامي حماه ترامب فقد إختار أن (يتنمر) على شقيقه القطري ، فجاء تعليقه التأويلي الأخرق كاشفاً بجلاء عن نوايا وأمنيات خبيثة تعتمر صدره : (لو قامت أمريكا بسحب الحماية الأمريكية المتمثلة بالقاعدة العسكرية من قطر فإن النظام سيسقط هناك خلال أقل من أسبوع ) !! .
هكذا ، بعبارات عارية حتى من وريقة سلوفان دبلوماسية أفصح الجبير (رسمياً) عما خطط له سلفاً حلف الفجار الرباعي ضد الشقيق القطري ، لكنها المفارقة المؤلمة التي تمنع هذا الحلف من بلوغ غاياته العدوانية المبيتة ، ذلك لأن الخليج برمته يقع تحت (حماية) وسطوة التهديد الأمريكي الدائم ، فأمريكا هي الحامي والمُبتز في آن معاً ، وعند البحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك تقفز المملكة السعودية إلى الأمام كأول وأكبر دافع لهذه السياسة الأمريكية الموروثة تجاه الدول العربية الخليجية ، وما الرئيس ترامب إلا اللسان الأمريكي الأكثر صراحة في التعبير عن هذه السياسة ، وكأننا به (وكما حوّر الجبير تصريحاته) يحوّر بيت المتنبي الشهير ، ليقول لآل سعود بلهجته الآمرة الساخرة :
على قدر أهل النفط تأتي المغارمُ … وتاتي على قدر البئار المغانمُ
مهند بتار