عندما تجد أن صندوق النقد الدولي يشيد بالسياسات الاقتصادية لبلدك، فعليك أن تُفكر مرتين؛ فغالبًا لن تكون الأمور الاقتصادية ببلدك في أحسن حال؛ حيث اعتاد ‘‘صندوق النقد الدولي» على الإشادة بالدول التي تنهار اقتصاديًا، وذلك حدث أكثر من مرة، طالما ما زالت تلتزم بخطته التي وضعها من أجل إصلاح أحوالها الاقتصادية.
معظم الحكومات العربية التي انصاعت لمطالب وسياسات صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض مشروطة تصر على أن مطالب الصندوق التي تصفها بالإصلاحية من شأنها تحقيق نمو اقتصادي، وذلك عبر زيادة الاستثمار، وخلق فرص عمل، إلا أن المؤشرات المحققة على أرض الواقع في العديد من الدول، تظهر في نظر العديد من المراقبين أن الفقراء هم من يدفعون فاتورة إملاءات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي؛ حيث يزداد الغلاء، والفقر، وديون الدول التي تمتد تداعياتها إلى الأجيال المقبلة، فضلًا عن وجود إملاءات أخرى قد لا تتعلق بالسياسات الاقتصادية فحسب، وإنما تمتد إلى كافة مناحي الحياة الاجتماعية.
دراسة قدمتها ‘‘ساسة SAS POST‘‘ حول الموضوع عرضت فيها 4 دول نموذجا على تزييف صدنوق النقد الدولي للحقائق وكيف أنه يتحدث عن واقع زاهر للبلاد كلما كانت على حافة الإنهيار اقتصاديا .
موريتانيا بين حقيقة الوجه و قناع الدعاية الزائفة
منذ ثمانينيات القرن الماضي اتبعت موريتانيا بانصياع كامل، توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومع التنفيذ الكامل لتلك التوصيات المتعلقة بتحرير الاقتصاد، أصبحت هناك نتيجة واحدة مؤكدة، وهي أن الاقتصاد الموريتاني صار يعتمد أكثر وأكثر وبشكل شبه كامل، على الدعم الخارجي، والتبرعات.
وصفات المؤسسات الدولية الاقتصادية، التي أمليت على موريتانيا، والتي يرى عديد من الخبراء أنها كلما طبقت في دولة، لا تفعل، سوى أن يزداد معها الأغنياء غنى، ويزداد الفقراء فقرًا، كانت متعلقة بفتح أبواب الاستيراد على مصراعيها في تلك الدولة التي تعاني من الفقر المدقع، وإلغاء الدعم على السلع الأساسية، وخصخصة القطاع العام، في ظل هشاشة الطبقة الرأسمالية الموريتانية؛ مما يعني أن الكعكة ستقسم على الشركات الرأسمالية الأجنبية.
حين صعد الرئيس الجديد إلى السلطة، صعد تحت شعار «رئيس الفقراء»، لكنه على كل حال لم يشعر بأي غضاضة في استكمال الطريق الذي بدأته موريتانيا مع البنك الدولي، والذي لم يضر سوى الفقراء، الذين يشكلون غالبية السكان.
وفي 13 فبراير (شباط) العام الجاري، اجتمع الرئيس بالفعل، مع ممثلي البنك الدولي، للتأكيد على الشراكة القوية بين الجانبين، وبحث سبل تعزيز هذه الشراكة أكثر فأكثر.
لا يشعر الرئيس إزاء وعود البنك الدولي بالازدهار بعد اتباع سياساته، والتي لم تتحق منذ أكثر من ثلاثين عامًا، بأي ملل يذكر، على العكس، فهو متحمس لها، إلى الحد الذي جعل حكومته تقول أرقامًا مشكوكًا بشدة في صحتها حول نسبة البطالة في البلاد، التي تقدرها بنسبة 10%، في حين تقدرها المنظمات غير الرسمية بنسب تصل إلى 30%، حتى تؤكد على أن الطريق الذي تسير عليه موريتانيا اقتصاديًا هو الطريق الصحيح.
في الواقع أيضًا، منذ وصول الرئيس للحكم، برزت بقوة طبقة جديدة من رجال الأعمال الاحتكاريين المقربين للغاية من الرئيس.
ورغم تأكيد الرئيس وحزبه وحكومته، على أنهم يحاربون الفساد، وعلى الرغم من أن الرئيس بالفعل قد زج ببعض الداعمين له في لسجن بتهم لها علاقة بالفساد، لكن تقريرًا للمجلة الأمريكية «فورين بوليسي»، كان قد كشف عن نقطة في غاية الأهمية، وهي أن حملة الرئيس ضد الفساد، لم تطل على الإطلاق، أي شخص من الدائرة المقربة له، ولا من القادة العسكريين، الذين تحوم حولهم الشبهات بشدة ونظرًا إلى أنه لطالما ارتبطت إشادات الصندوق بالقروض التي يمنحها للدول المشاد بها، فإن موريتانيا اشتركت في برنامج من ثلاث سنوات أقره المجلس التنفيذي للصندوق في عام 2010، ويقضي بإقراض نواكشوط مبلغ 118 مليون دولار، وتقديم المساعدة الفنية للسلطات الموريتانية؛ وذلك من أجل تحسين إدارتها المالية، والإسهام في خفض الفقر.
يأتي هذا في الوقت الذي وصلت نسبة المواطنين تحت خط الفقر إلى حوالي 40% من إجمالي تعداد السكان؛ فضلًا عن وصول العجز في الموازنة إلى 11%، بالإضافة إلى نسبة الدين الخارجي التي بلغت 72% من الناتج المحلي الإجمالي، ووصولًا إلى ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 30% من إجمالي عدد السكان في البلاد.