تغيير كبير حدث في البيت السعودي بـ”عزل” ولي العهد الأمير “محمد بن نايف” من منصبه، وتصعيد الأمير “محمد بن سلمان” ولي ولي العهد ليحل محلّه.
وفي هذه الأيام تمر الذكرى الأولى على تسمية الأمير “محمد بن سلمان” وليًّا للعهد، ولكن مازالت ظروف وملابسات هذه القرار مُحاطة بالسرّية.
وتأتي الذكرى الأولى وقد ارتفعت بورصة التكهنات حول أن العام الجاري سيشهد إعلان ولي العهد السعودي، ملكًا للسعودية، حسبما تؤكد الشواهد والمساعي من الشاب الطامح للسلطة.
ومنذ أن أصبح “بن سلمان” وليًا للعهد، في مثل هذا اليوم من العام الماضي، اتخذ الشاب الطامح للسلطة عدة قرارات عدها كثيرون ” إصلاحية” على قواعد راسخة وقديمة في المملكة، لتعبيد الطريق نحو العرش.
ويبدو أن الملك الحالي، “سلمان”، هو آخر ملوك الدولة القديمة، وبموته أو تنحّيه لابنه “محمد”، يشهد العالم نهاية حقبة امتدت ثمانين عامًا.
أولى تلك الخطوات التي اتخذها “ابن سلمان”، إخضاع الرؤوس الكبيرة من أبناء عمومته والوزراء ورجال الأعمال المتحالفين معهم، من دون أن تصدر أي حركات احتجاجية علنية، وذلك بتغليف خطوته باعتقال الأمراء والوزراء بعنوان محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة وإعادتها إلى الدولة والشعب وفق زعمه، ما لقي قبولًا شعبيًا، حتى لو كان محدودًا.
واعتبر البعض وقتها أن اعتقال الأمراء السعوديين بتهم مرتبطة بالفساد، تعدّ خطوة متقدمة على طريق تولي الأمير “محمد بن سلمان” عرش السعودية بعد تنحية منتقديه ومنافسيه.
فبعد توليه الكثير من المناصب المفصلية في المملكة على مدى الفترة الماضية، أمر في الرابع نوفمبر من عام 2017 باحتجاز 11 أميرًا والعشرات من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، إضافة إلى الكثير من رجال الأعمال المتنفذين.
وقُبيل هذه الخطوة التي وصفت بـ”الزلزال”، صدرت أوامر ملكية بإعفاء وزير الحرس الوطني ووزير الاقتصاد والتخطيط وإحالة قائد القوات البحرية إلى التقاعد.
وجرت حملة الاعتقالات بعد ساعات قليلة على تشكيل العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز” لجنة لمكافحة الفساد أسند رئاستها إلى نجله ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”.
وبحسب الأمر الملكي فإنَّ اللجنة مكلفة “حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام”.
ومنح الملك سلمان اللجنة صلاحيات “التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أيًا كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال”.
ومن أبرز الأمراء الذين اعتقلوا “متعب وتركي” ابنا الملك الراحل “عبد الله بن عبد العزيز”، إضافة إلى الملياردير “الوليد بن طلال” وعشرات المسؤولين وضباط الجيش.
ورغم أن ولي العهد يعد في حسابات السياسة هو الحاكم الفعلي للمملكة السعودية، لكنه يتبع- حتى توليه مقاليد السلطة فيها كاملة- استراتيجية إزاحة خصومه ومنتقديه من طريقه للوصول إلى العرش.
فالاعتقالات لم تطل الأمراء وحسب، بل أيضا الرافضين لنهجه؛ حيث أعلنت السلطات السعودية نهاية الشهر الماضي، إلقاء القبض على 7 أشخاص اتّهمتهم بالتواصل المشبوه مع جهات خارجية، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حسّاسة، وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج بهدف “النيل من أمن المملكة واستقرارها”، وهو ما نفاه ناشطون سعوديون.
كما سبقها عدة اعتقالات في 10 سبتمبر الماضي، ضد رجال الدين وغيرهم؛ فيما يبدو أنها حملة منسّقة ضد أي معارضة محتملة.
انقلاب بدعم أمريكي
أما خارجيًا فالدلائل تشير إلى أن الإدارة الأمريكية تدفع باتجاه التخلص من السعودية القديمة بعد أن استنفدت كل إمكاناتها ولم تعد قادرة على خدمة المخططات الأمريكية في المنطقة.
ويعتبر “محمد بن سلمان”، هدية ذهبية (بحسب وصف مراقبين) لم يكن الرئيس الأمريكي “دونالود ترامب” يحلم بها.
ويسعى ولي العهد السعودي إلى أن يكون الوكيل الأمريكي في المنطقة على الصعيد السياسي والعسكري، وحتى على المستوى الداخلي تُرتّب أوراق “السعودية الجديدة” التي يريدها برؤية أمريكية أو تنسيق كامل من أجل صناعة أوراق القوة التي تمهد لهذا الدور المستقبلي للرياض.
وكان فجّر حساب “فارس بن سعود” الشهير على موقع “تويتر”، مفاجأة جديدة عن سياسات “ابن سلمان”؛ حيث كشف أن الأخير دفع لـ”ترامب”، ترليون و250 مليار دولار، وطلب منه الرئيس الأمريكي أن يعلن عن 450 مليار فقط، أي أن بقية المبلغ الضخم ذهبت للرئيس الأمريكي على هيئة رشوة لدعم “ابن سلمان” حتى وصوله للكرسي رغم كل الخلافات والاعتراضات عليه داخل الأسرة الحاكمة.
والمهم في الأمر أنّ “حروب” ولي العهد الداخلية على معارضيه داخل العائلة المالكة ممن يرون فيه خطرًا على استقرار المملكة ومكانتها ومستقبلها ودورها في المنطقة، تعد رجع صدى أو انعكاسًا للحروب الخارجية أو لخيوطها التي تنسج في المنطقة ضمن إطار تطبيق “صفقة القرن” التي تحدث عنها “ترامب” خلال زيارته للسعودية.
وتقضي صفقة القرن- بحسب ما رشح من تسريبات- بإقامة سلام دائم في المنطقة يمكّن من إدماج إسرائيل بمساهمة رسمية سعودية في المحيط العربي، والعمل على استثمار العقل والتكنولوجيا الإسرائيلية والرأسمال العربي لتحقيق التنمية.
ويمكن فهم مشروع “نيوم” في هذا السياق، لكن عقبات كأداء تقف في وجه هذا المشروع، وتحديدًا إيران وحزب الله وحلفاؤهما في “معسكر المقاومة” في سوريا والعراق واليمن، وحركات المقاومة في فلسطين.
عام اعتلاء العرش
انتشر بالآونة الأخيرة في العاصمة السعودية كلام عن أن ولي العهد يعمل على مشروع لحصر السلطة في “دائرة ضيقة جدًا” من العائلة الحاكمة، لتفصله خطوات عن الصعود إلى العرش.
فبالفعل “محمد بن سلمان”، وصي على العرش، فوفقًا لوكالة الأنباء السعودية “واس”، عندما يسافر “سلمان” إلى الخارج، كما فعل عندما توجَّه إلى موسكو في وقت سابق، “ينيب” محمد بن سلمان “لإدارة شؤون الدولة ورعاية مصالح الشعب خلال فترة غيابه”.
وبحسب مصدر مقرَّب من العائلة المالكة في السعودية فإنّ الملك سلمان بن عبدالعزيز يخطط للتنازل عن العرش لنجله ولي العهد محمد بن سلمان، خلال الأيام المقبلة، ولكن ينتظر الوقت المناسب لإعلان ذلك.
فصحيفة ديلي ميل البريطانية، كانت قالت في وقت سابق إنّ خطوة التنازل عن الحكم هي الأخيرة في تمكين محمد بن سلمان من مقاليد الأمور في المملكة.
وأشارت ديلي ميل، نقلًا عن مصدرها الذي لم تسمِّه، إلى أن الملك سلمان سيمنح صلاحيات القيادة رسميًا لولي العهد “محمد بن سلمان”.
وقال المصدر: “ما لم يحدث شيء درامي (لم يحدده)، سيُعلن الملك سلمان تنصيب محمد بن سلمان ملكًا للسعودية في الأسبوع المقبل”.
ولم تشهد المملكة السعودية تنازلاً عن العرش من ملك لشخص آخر، باستثناء تنازل الملك سعود بن عبدالعزيز عن العرش لشقيقه الأمير فيصل في عام 1960، بسبب ضغوط من الأسرة المالكة.
وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، مطلع الشهر الجاري، أن “محمد بن سلمان”، قام باللجوء إلى شركة أمريكية تتبع أساليب هتلر لإحداث انقلاب ناعم في السعودية.
وقالت الصحيفة: إن “الشركة التي قام ولي العهد السعودي باستئجارها هي “أس سي أل” الشركة الأم لكامبريدج أناليتيكا قد قامت بوضع استراتيجية كاملة لإحداث انقلاب ناعم في السعودية؛ حيث قدمت خريطة طريق نفسية لمواطني السعودية وآرائهم في الأسرة الحاكمة وخصوصًا بـ “محمد بن سلمان” إضافة الى تقييم ميولهم تجاهه”.
وأضافت أن “النتائج كشفت أن الأمير الشاب لا يتمتع بالشعبية الواسعة في السعودية، وهناك سخط واستياء واسع وسط السعوديين بسبب إجراءاته وسياسة القمع التي يتخذها بحقهم”.
ويذكر أن شركة “أس سي أل” هي شركة استخباراتية لديها تاريخ طويل من العمل السري في مساعدة الحكومات في السيطرة على مواطنيها وإحكام قبضتها على السلطة.
بداية طريق الاستحواذ على السلطة
الأمير الشاب المولود في 31 أغسطس عام 1985، والمتزوج من ابنة عمِّه الأميرة “سارة بنت مشهور بن عبد العزيز”، وأب لولدين وبنتين، هو الابن السادس للعاهل السعودي الملك سلمان، وكان من ضمن العشرة الأوائل على مستوى المملكة في نتائج الثانوية العامة، وتخرّج في كلية القانون، جامعة الملك سعود، عام 2007، وكان صاحب الترتيب الثاني في دفعته.
بدأ طريقه إلى المناصب السيادية بتعيينه فور تخرجه مستشارًا متفرغًا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء السعودي، ثم انتقل في ديسمبر عام 2009 من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء إلى إمارة منطقة الرياض؛ ليُصبح مستشارًا خاصًا بوالده أمير منطقة الرياض، بالإضافة إلى تعيينه أمينًا عامًا لمركز الرياض للتنافسية، ومستشارًا خاصًا لرئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، علاوة على استمراره في العمل مستشارًا غير متفرغ في هيئة الخبراء حتى مارس 2013.
وبعد ذلك ومع ابتسامة الحظ الأولى بتقلد أبيه مناصب ولي العهد، ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في يونيو عام 2012، انتقل الأمير الشاب للعمل مستشارًا خاصًا لولي العهد، ومشرفًا على المكتب والشؤون الخاصة؛ ليقطع في خطوة واحدة فرسخًا من المسافة التي كانت تبعده عن العرش البعيد.
وفي مارس 2013، صدر أمر ملكي بتعيينه رئيسًا لديوان ولي العهد ومستشارًا خاصًا له بمرتبة وزير، وتم إعفاؤه من عمله بهيئة الخبراء في نفس اليوم.
وبعدها بثلاثة أشهر تقلد منصب المشرف العام على مكتب وزير الدفاع إضافةً إلى مهام عمله السابقة، ثم كانت آخر ترقياته مع تولي والده سدة الحكم في 25 أبريل 2014، بصدور أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للدولة بمجلس الوزراء السعودي، بالإضافة إلى مناصبه السابقة.
وفي يناير 2015؛ صدر أمر ملكي بتعيينه وزيرًا للدفاع؛ ليُصبح ثاني أصغر وزير دفاع سعودي، يتقلد هذا المنصب في تاريخ المملكة، ثم صدر أمر ملكي آخر بتعيين محمد بن سلمان رئيسًا للديوان الملكي، ومستشارًا خاصًا لوالده الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بمرتبة وزير، ثم تلا ذلك بأيام معدودة صدور الأمر ملكي بإنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية السعودي، وتشكيل المجلسين برئاسته.
وفي مارس 2015 عُين رئيسًا لمجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة السعودية، وفي أبريل 2015؛ تمكن الأمير الشاب من وضع قدمه على سُلّم العرش، بعدما صدر أمر ملكي بإعفاء ولي العهد الأمير، مقرن بن عبد العزيز، من منصبه، وتنصيب الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد، وتعيين محمد بن سلمان وليًا له.
وفي سبتمبر 2015، ترأس بن سلمان المجلس الأعلى لأرامكو السعودية؛ ليُصبح أول فرد من العائلة المالكة يشرف بشكل مباشر على الشركة العملاقة.
وفي يونيو 2017 أطاح “بن سلمان” بالأمير “محمد بن نايف” من ولاية العهد، وأصبح وليًا للعهد وعلى مقربة درجة واحدة من اعتلائه، بالإضافة إلى تعيينه في التاريخ نفسه رئيسًا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء.
بقلم : باسم الشجاعي