الشعب العراقي حاله كباقي شعوب المنطقة، خبير في صنع الطغاة، فنانون في رسم الشخصيات الواهية, من خيالهم المملوء بمبادئ الثورة, نتيجة لدروسٍ تلقوها من أستاذهم الجاهل, الحاصل على شهادة الابتدائية، حينما كان نصيراً متقدم, ومسؤولاً حزبياً للثانوية, وكان يصور لهم " إن قائد الضرورة هو الأب الأكبر, الواجب إطاعته, كونه الشخص الوحيد الذي لا يخطأ, صاحب الحملة الإيمانية, التي ستخرج الكثير من ابطال الإيمان, لقيادة المرحلة القادمة".
تغير الزمان وافتُرِش المكان بالديمقراطية الجديدة، وَقِيل لهم انكم أحراراً، فاختاروا لكم قادةً مناسبين، يأخذون بأيديكم الى بر الأمان، فأخذوا يتصفحون الوجوه، للبحث عن بطلهم الذي رسموا ملامحه على الورق.
ماهي الا أياماً قلائل حتى اخذ القادة الجدد بالظهور، وعلت اصواتهم بين داعٍ لنفسه وداعٍ لوطنه، فاحتشد حولهم الرسامون، وكلاً منهم ماسكاً قرطاسه بيده ويطالع تلك الوجوه، عسى ان يجد من بينهم من يتطابق مع رسمته، ليحظى بضالته.
فصاح احدهم هلموا أيها التائهون، فأنا من سيسكنكم القصور, ويلبسكم الحرير, ويطعمكم من ثمار الجنّة, ويسقيكم الرحيق, ويجعلكم اسياداً في بلادكم، فصفق له كثيراً من الحاضرين, واستبشرت وجوههم خيراً، ولكن لم يسأله أحداً أين هي تلك القصور؟ ونحن نقف على الخراب؟ أين هو ذلك اللباس وانت ترتدي الخرق؟ اين هي جنتك التي سنأكل من ثمارها؟ وأزهارها التي سنرتشف رحيقها ونحن في صحراء جرداء؟ لكن وللأسف صدقه كثير منهم وهم يعلمون جيداً انها كذبة، ويبحث عن السلطة والحكم، فالتف حوله المتملقون والمتسلقون والباحثين عن ملذاتهم.
صاح آخر بمن بقي انا الزعيم، فمن أراد الزعامة والسيادة فليلتحق بي، انا البطل الذي رسمتموه على قرطاسكم, انا ضالتكم, انا الإيمان الذي تبحثون عنه, انا القائد الذي سينتصر لكم, التفوا حولي لنطرد من نبذكم, ونقتل من رفضكم, ونحكم البلاد بسيف جدي, وشريعة ابي المثلى، فما خلق الله غيرنا, ولا صنع الزمان مثلنا, فنحن القادة ونحن السادة, ونَحْن ونَحْن ونَحْن.
تلك الكلمات كانت كفيلة بجذب من كان عالةً على المجتمع, ومن كان فضلات بقايا الركام, ومن يبحث عن سد النقص في شخصيته, ومن كان عبداً مسلوب الحرية, وجاهلاً وطأته اقدام الجلاد، فصدقه كسابقه جمعاً كثير، لا لصدقه وإنما هو ذاته من يبحث عنه هؤلاء، لكونه ذلك القائد المتباهي، الذي يرتدي جلباباً اكبر منه بكثير، هو ذاته الذي يمكن ان يحركه اصحاب المشاريع حيثما شاءوا، من غير ان يدرك لما يجري من حوله، لأنه لين التشكيل, بسيط الشخصية, سهل الانقياد, مشروع للزعامة المصنوعة, لا يحتاج الا لأذرع خفية تقلبه ذات اليمين وذات الشمال، بلا تعب ولا عناء.
اخترنا مثالين من القادة والجمهور، لرسم ملامح كثيراً ممن ينتمون لهذا البلد، فالشعب لا يحتاج الى قائد حقيقي، قائد يصف لهم الامور كما هي، يضع الكلمات المناسبة للجمل الناقصة، فمن يقول لهم علينا بالبناء يقولون له نحن متعبون، ومن يقول لهم علينا بالتصحيح يقولون لا نمتلك العقول, ومن يقول لهم علينا بتقويم الاعوجاج يقولون لا قدرة لنا على ذلك، شعب يعشق الكاذب ويحب السارق ويمتدح الفاشل ويسلط الفاسد، شعب يبحث عن الجاهز والمستورد، عاجز عن صنع الجديد من ذات البلاد ، يركض خلف السراب بأقدام منهكة، لا يبصر ما حوله ليجد الحقيقة ويتملكها، خبراء في صنع الطغاة, مميزين في قتل الأحلام، نصدق بلا تروي، نكذب بلا تأني، نشتم بلا ورع.
لعل البعض ينتفض لما قيل لكنها حقيقتنّا، نشتم الدين لأنه يخالف أهوائنا, نكذب الصادقين لأن كلامهم لا ينسجم مع رغباتنا، نصدق الكاذبين ونمتدحهم لأننا منافقون في طبيعتنا, شخصياتنا متقلبة كتقلب فصول السنة، طبائعنا متلونة كتلون الحرباء، نلعن بَعضُنَا البعض لمجرد الاختلاف في الرأي، الحقيقة المرة إننا صنّاع للطغاة، ولكن يبقى هناك عقلاء وشرفاء ووطنيين، ولا يوجد شيء اسمه الكل او الجميع.
رضوان العسكري