منذ عدة ايام ومدن الجنوب العراقي في مظاهرات متواصلة، اختلفت في تنظيمها من محافظة لأخرى لكنها اتفقت على المطالب ذاتها، ابرزها توفير الخدمات اللازمة من ماء وكهرباء و اكساء للشوارع وتوفير الخدمات الصحية وغيرها، موجة غضب طافت مدن الجنوب وصولا الى بغداد، يقابل هذه الاحداث ازدهار السياحة في الشمال.
احتجاجات المواطنين لم تكن وليدة الصدفة نتيجة لتراكمات وسوء ادارة الدولة، وإهمال المشاريع الحيوية وتمكين الفاسدين من مراكز القرار في الحكومات المحلية والمركزية، والاهم من ذلك ان تلك المحافظات كانت تعاني من حرمان خدمي من قبل ثمانينات القرن المنصرم، ابان حكم حزب البعث وصدام حسين، الذي ركز في جانب الخدمات على مدن الغربية التي كانت تأخذه اليها دواعي عنصرية و قبلية، فبعد التغيير كان الكل يأمل ان تحصل ثورة على مجال الخدمات هناك تعكس الواقع في هذه المناطق، لكن للأسف لم يحصل الا القليل والذي لا يساوي حجم عطاء مدن الجنوب.
حصلت عدة مشاريع حيوية انجز القليل منها بجهود لبعض المحافظين، و اهمل الجزء الاكبر كميناء الفاو الكبير ومدينة ذي قار الصناعية و مطارات في تلك المدن، والجزء الاهم ان كل المعامل هناك توقفت كليا عن العمل بسبب اهمال الحكومة المتعمد لها، و تسريح الايدي العاملة فيها من اهم اسباب البطالة المتزايدة فيها، اما في شمال العراق كان العكس حيث بعد عام 2003 كان المناخ المناسب والبيئة الأمنه وفرت كل ما يحتاجه المستثمرون في كردستان العراق، فبدأت حركة اعمار مهولة وبمساعدة الحكومة حتى وصلنا الى ما نحن علية الان من تطور في اربيل و دهوك و السليمانية.
محافظات شمال العراق تزدهر هذه اليوم بالسياحة الداخلية والخارجية، في ظل هذه الظروف التي تشهدها مناطق الجنوب، يلجأ الكثير من ابناءها الى الاقليم للترفيه عن النفس و التنعم بالأمان و اراحة البال هناك، وفي الطرف المقابل اهوار ومناطق السياحة في الجنوب اهملت ولم يعد احد يرتادها، بسبب الحكومة المركزية اولا والحكومات المحلية في المحافظات ثانيا، فقبل العام 2014 كانت هنالك ميزانيات انفجارية توزع على مدن العراق كل حسب النسبة السكانية فيه، فلو كانت الرقابة مفعلة مركزيا ومحليا، لما ذهبت الاموال للمنتفعين، وكنا ربما سنحصل على مدن كما في الاقليم او في دول الجوار.
الامر الاهم ان كل مشروع اقتصادي او سياحي او تنموي، كان سيوفر الاف الدرجات الوظيفية للشباب ولما كانت البطالة بهذه الصورة، وايضا ايرادات هذه المشاريع ستوفر المبالغ الكافية للخدمات الازمة لحياة المواطن، فمثلا ان مشروعا سياحيا في الاهوار التي جف ماءها بسبب السياسة الفاشلة لوزراء الموارد المائية المتعاقبين على الوزارة، كفيل بان يوفر في اقل التقديرات الف درجة وظيفية لأبناء منطقته، ناهيك عن مشاريع المصافي وحقول النفط وحصص العراق من الموظفين لدى الشركات الاجنبية التي ينص العقد المبرم مع كل شركة، ان نسبة 80% من الموظفين لديها يجب ان يكونوا من ابناء المدينة او المنطقة التي تعمل فيها الشركة، لكن سكوت البعض عن هذه الاشياء مقابل مبالغ مالية من الشركات حال دون ذلك.
النتيجة لو كانت هنالك، رقابة مالية وتدقيق، على كل ما صرف، لكان الجنوب الغني، افضل مناطق العيش في العالم، ولما شاهدنا هذا البؤس والحرمان لمواطنية ولا حتى هذه التظاهرات، التي تطالب بأبسط الحقوق، والرقابة من جهة معينة فقط، بل وحتى المواطن يصبح راضيا تماما على الحكومة، اليس كذلك؟!
نور الدين الخليوي