عندما تُذكر الدكتاتورية, كمنهج, كسياسة, كأشخاص مرتبطين بممارستها,
يتبادر إلى الأذهان تصورات عن مفاهيم القوة والحزم والعناد والتكبر
والاستقلالية وعدم الخضوع لأي جهة, وهي مفاهيم تقريبا تكاد تكون صحيحة في
إطارها العام, كدالة على مفاهيمية هذا المصطلح,
ما يجري في العراق هو العكس من ذلك تماما, فلكي تكون دكتاتورا, يجب
عليك أن تكون تابعا ذليلا مخلصا في الذل والتبعية, لدولة تسيّرك وتأمرك
وتنهاك, وما عليك إلا تقبيل أيادي مسؤوليها!
نمط غريب من الدكتاتورية, تهديد علني للديمقراطية في العراق, خروج عن
كافة سياقات التحضر والحرية السياسية, وحقوق الشعب الذي انتخب حكومته .
تنمط هذا النوع الخسيس من الدكتاتورية, بأنماط تحولت إلى ممارسات تم
إتباعها مع الأسف, وبشكل علني وفاضح من قبل بعض الكتل الباحثة عن الربح
الأكبر (الكتلة الأكبر!), خاصة بعد أن أيقنوا أن آمالهم وآمال أسيادهم في
إبقاء العراق تابعا وحديقة خلفية, ستذهب أدراج الرياح, وأن التحالف أو
المحور الذي هو في قبالتهم في التنافس السياسي, سوف ترجح كفته, بعد أن
أقنع أغلب الأطراف والكيانات السياسية بأنه يحمل مشروعا وطنيا, (يمكن) من
خلاله تحقيق استقلال العراق, استقلال العراق من المشاكل والحروب
بالوكالة, استقلاله في التصرف بأمواله واعماره وتطويره, وتحويله من حديقة
خلفية, إلى دولة قوية.
توزعت أنماط دكتاتورية الذيول هذه, التي اتبعها الأخوة التابعون
للدولة الجارة, على عدد من الممارسات البائسة واللا أخلاقية, فمنها هو
اتهام محور الحكمة والوطنية وسائرون, بأنه محور أمريكي, والحال أن الواقع
يكذب هذا الأمر, فشعار الأغلبية الوطنية الذي طرحه تيار الحكمة كمبدأ
أساسي, قد انطلق به قبل الانتخابات, بل خلال تأسيس تيار الحكمة, حيث جعله
مرتكزا لنظرية سياسية جديدة, يمكن لها أن تقضي على النزاعات والتشرذمات,
من خلال توحيد النوايا والمواقف لخدمة العراق, وفقط العراق, دون أن يكون
لمفهوم الحديقة الخلفية وجودا بعد ذلك !
النمط الخسيس الثاني الذي تم استخدامه, هو تهديد الكتل والشخصيات
السياسية الفائزة في الانتخابات, بتحريك ملفات قضائية ابتزازية تهديدية
عليهم, من أجل الضغط عليهم بشدة لتغيير بوصلة تحالفاتهم, وكلنا يعلم أن
هذا الأمر سهل يسير, على من استحوذ وهيمن وسيطر على مقدرات القضاء الأعلى
وشخوصه, وتبعيتهم الذليلة لشخصه, وتفسيرهم للقوانين كما يريد وبما يحب !
المال السياسي, ومحاولة نشر سحره ألإغرائي الإغوائي, بشراء الذمم, كان
حاضرا كأداة مهمة لفك عرى هذا المحور, الذي أحسّ منه قواد العراق (من هم
خارج الحدود!) بأنه يملك نفسا وطنيا, قد يحول العراق إلى (أولا) في نفوس
أهله, ويحول باقي الملفات والدول والشعارات إلى (ثانيا) ! وبلغ سعر الذمة
عند هؤلاء إلى : 250 مليون دينار عراقي فقط لا غير !
المهم في الأمر, أن أغلب هذه الأساليب الخسيسة لم تؤتي أكلها, وفشل
أصحابها فشلا ذريعا, لأنهم حمقى, لا يعلمون أن المعادلة هذه المرة قد
اختلفت, فكل التيارات السياسية والتكتلات القومية أو المذهبية, قد اشتركت
بوقوعها في خطر واحد, وهو : شعب يصرخ يريد وطن ! إلا هم, فإلى الآن
منقسمين بين مبدأ : السياسة كنزي, والبلد مطية أسيادي ! فإن صاب مسعاهم,
سيخرب مسعى البلد.
*دكتوراه في النظرية السياسية/ المدرسة السلوكية الأمريكية المعاصرة في السياسة.
محمد أبو النواعير