منذ أن يولد الأنسان وتتضح له معالم هذه الحياة في ذاتها وملذاتها، ينحى منحيين مهمين، كلٌ حسب سجيته، البعض يكون منفذ للأوامر، ويحاول أن يعيش حياته بكل بساطة، ولا يعطي للمظاهر السطحية كالمال والجمال أهمية وهم قلة، والبعض الآخر يجعل ملذات الحياة أهم غاياته، فيبرر كل الوسائل للوصول إليها وهم كثرة.
هؤلاء الكثرة أغلبهم يدخل عالم السياسة، لأن السلطة أفضل الوسائل للوصول للغاية المنشودة، ولكن في السياسة ثم حقيقتان على الشعوب المحكومة إدراكها، الحقيقة الشاعرية، والحقيقة الواقعية، وكل من هاتين الكلمتان يخاطبان نفس العقول، ولكن بأزمان وظروف مختلفة، لكي يتقبلها عقل الشعب الساذج دون تمحيص أو فهم، فيكون كالبئر يستقبل يوسف النبي ويتهم الذئب بقتله، (جماد لا محل له من السياسة).
الحقيقة الشاعرية في خطابات الساسة العراقيين، تكون سلسة جداً في دخولها أدمغة جماهير الحزب المعين، فهم يتقبلون النقد والسؤال والإجابة في آن واحد، ويرددون ذلك كالبغبغاء، بعيدا عن أي نظرة علمية أو فكرية لهذا الخطاب، سواء أكان ذو فائدة للشعب أم لا، الأهم أنه صدر من تاج رأس أو خط أحمر.
أما الحقيقة الواقعية فهي ليست تفسير فلسفي، وإنما أفعال على أرض الواقع، لو أردنا أن نكتشفها، يجب أن نفكر خارج الصندوق، لنعلم ماهيتها، وكذلك لنعرف من الأصدق والأقرب إلينا، الواقعية أم الشاعرية؟ ولنتبين من الأصدق فلنضرب مثال بسيط على قدر أقل مستويات عقولنا، في مجتمع السكارى، يكون الثملون هم الأغلبية التي تحدد الحالة السوية التي يسير بها نظامهم، ووسط هؤلاء يبدو اليقظ شاذاً.
إذا هذا يؤكد أنه عندما يجتمع فلان متهم بجريمة سبايكر، وخنجر سمته الغدر، وآخر ساهم بسقوط الموصل، أعلم أن الصفة الطاغية على النظام، ستكون نوتاتها رصاص وفوضى وتدمير، يصاحبها قرار إقليمي بعيد عن الهوية العراقية.
هذا كان أحد المحاور، التي تحاول الترويج شاعرياً، على أنها أقرب إلى تكوين القرار العراقي المستقل، وكل ذلك كان يحاك خلف الكواليس، بقيادة عمياء لا ترى سوى مصلحتها الشخصية.
في الجانب الآخر كان محور آخر، يحتضن زعماء منهم من كان ومازال متهم بالفساد، ومنهم من بقى على العهد يطالب بأن يكون العراق عراقياً لا تبعياً، الأهم أنهم أقرب إلى الواقعية، ولكن لاتحدثنا عن يسار ويمين العبادي، لأننا سنحدثك عن يمين ويسار الحكيم، وهنا يتضح التوازن الذي يخطط على الطاولة المستديرة، لكن السؤال الأهم أين سيستقر القرار العراقي؟
عندما نعلم أن السفير التركي أدى صلاة العيد في كركوك، ووصف المدينة "بأرض الأجداد" وسليماني يتجول بين أربيل والنجف، للتأثير على مسارات تشكيل الكتلة الأكبر.
بين هذا وذاك مازال القرار العراقي تائها، لا يجد له مستقرا يتكئ عليه، فماذا بقي للقرار العراقي لطفاً؟
محمد جواد الميالي