معايير التصدي الشخصية، تستوجب توفرها وقت طلب النجاح، فلا يصح وهب المواقع حسب الأفضلية الحزبية أو السياسية فقط، بلا إعطاء اهمية لصفاتٍ لا تتحقق النجاحات إلا من خِلالها، فبذلك ضياعٌ لأي فرصة قد نراها تلوح لنا..
عادل عبد المهدي، لن تكفه عقليته، أو رؤاه في بناء الدولة، مهما كان رشده أو قوة إرادته، فالنجاح و العمل لا يعتمد على الشخص وحده؛ بل الفِرق هي من تَكون عامل الحسم غالباً، و مما لا شك فيه؛ أنه لن يستطيع إختيار فريقه الوزاري حسب إرادته مئة بالمئة، ولن يستطيع التحكم بهِ تماماً، فاستحقاق العملية قد يفرض ذلك بنسبةٍ كبيرة..
أمام من يرجو نجاح و إنجاح الحكومة القادمة، من الكتل السياسية والقادة، فرصة أخيرة قوية، تحتاج لقرارت تخرج عن النمط التقليدي، الذي أعتاده أغلبهم منذ رؤية السلطة الجديدة وحتى الآن؛ أولها الأهم؛ فيما يتعلق بطريقة ترشيح رجالاتهم للمواقع، والمعايير التي يعتمدونها في ذلك.
لن أُكرر المناداة بإكذوبة التكنوقراط المستقل، كما يفعل الكثير، فلا حاجة لإستذكار فشل هذه التجربة في الحكومة التي ستنتهي بعد أيام، و يكفي تذكر آخر الأزمات التي كانت ذات علاقة مباشرة بوزارات يدير أغلبها التكنوقراط المستقل، و كيفية تصرفهم معها، حين ظل جميعهم يلتفت أحدهم للآخر محملاً وزارته المسؤولية، محاولاً التملص منها، دون أن يضع خطة يحلحل من خلالها الأزمة، أو أن يقدم اقتراحاً على الأقل!
من ينادي بالاستقلال التكنوقراطي معتبراً إياه حلاً حقيقياً وحيداً، رغم الشاهد الذي حصل، أراه يفعل ذلك لأحد سببين، إما لغايات في نفسه، أو لجهالةٍ في الأمر؛ الجهالة ذاتها التي طالبوا بسببها برئيس وزراء "تكنوقراط" أيضاً، فما نعرفه عن التكنوقراط انه الشخص الذي يتولى مسؤولية حسب اختصاصه.. فأيه اختصاص رئيس الوزراء يا تُرى؟! أم لعلهم يرغبون بقائد عسكري، سياسي، تخرج من كلية الإدارة والإقتصاد، وعمِل فلاحاً، ودرّس في الجامعات والمدارس، ومارس إدارة الأعمال والتجارة، وكان طبيباً، يحاول ليلاً عمل تجارب لصناعة الكهرباء أو استخراج النفط! أو لعلهم طالبوا بهذا "التكنوقراط" بعد مشاهدتهم حلقة كارتونية لـ "سوبرمان"..
لا يعتقد أحد أني أحمل كامل المشاكل للتكنوقراط المستقل، أو أرى أن في كل مستقل مختص ذلك الخلل، كما لا أرى ذلك في الشخصية الحزبية، مشكلتي في من يرى أن لا حل؛ إلا في الأول و التخلص من الثاني، دون النظر إلى بقية المعايير الأهم، كالميدانية مثلاً، أو القوة الذاتية، و المسايسة، أو الشجاعة في تحمل المسؤولية، والتصرف وفق ذلك.
في حكومة العبادي؛ التي شُخص فيها أكبر فشل في مجال الصحة، لا يختلف عليه إثنان، لو ألقينا نظرةً على نشاطات الوزيرة مثلاً؛ تحركاتها وعملها، على الأقل من خلال صفحتها في فيسبوك باعتبارها منصتها الرسمية الموثقة لنشاطها، سنراها جليسة المكتب لا تخرج منه إلا ماندر، من يذهب لصفحتها بغية البحث عن زيارة ميدانية لها، سيتعب كثيراً حتى يجد، هذا إن وجد نزولاً حقيقياً، فسيادتها تعتبر جلوسها في مكتب المحافظ، أو حضورها إجتماع لمجلس محافظة؛ من النزول الميداني كما تُوثِق!
في حين إن نظرنا لأكثر الوزارات نجاحاً في نفس الحكومة، نرى وزيرها كثير التفقد والنزول، حتى وصل به الأمر ان ينام في مواقع المشاريع لإنجازها؛ وهذا يوضح لنا أهم المعايير؛ وهي الميدانية..
نحن بحاجة لوزير، يفهم معنى العمل التنفيذي بحقٍّ، سمته الميدانية، وصفاته الشجاعة والقوة، يتعامل مع وزارته بروحية القائد والفريق، ويتخذ من جميع كوادر الوزارة فرقاً خاصةً، يصول لإنجاز الأعمال من خلالها، يقضي على حالة الفائض الوظيفي المخزي، الذي نعرفه جميعاً، يضع الخطط لجميع مفاصل مايقع تحت مسؤوليته، يتابع الصغيرة والكبيرة، ويخلق حالةً من الإنتفاضة والنهضة العملية داخل وزارته أو هيئته، بشبابية وحماسة، فيحيها..
أكان مستقلاً أم حزبياً، تكنوقراطاً مختصاً، أو سياسي ذا قدرة إدارية، لا يهم؛ الأهم أن تنطبق عليه مواصفات التنفيذي الحقيقي، وصار لزاماً على القوى السياسية أن تفكر بذلك، وتتخلى عن فكرة مكافأة شخصياتها الحزبية المتقدمة، بمواقع وزارية و ماشابهها، فليس من الصحيح مكافأة اهل التخضرم بذلك؛ لأنهم اهل تخضرم فقط، و إن لم يضعوا الملامح المحققة للنجاح نصب أعينهم، فسيكتبون نهايتهم بأيديهم، مع أن فرصتهم للتجديد تظهر بقوة..
"إنه زمن الشباب".. هذا ماعليهم أن يؤمنوا به.. هذا ما على الجميع أن يؤمن به، ويعملوا وفقه، قبل أن يُفاجأوا في ٢٠٢٢ الأمل، فلا يبقى لهم شيئا..
علي رضا الياسري