سيل بشري هادر، متنوع الأشكال والأعمار والقابليات والأمزجة، طبقات
متعددة من الناس إندكوا في بوتقة واحدة، لا تفرق بين العالِم والجاهل،
الكبير والصغير، الغني والفقير، الكل إنصهر ليكون العنوان هو زائر الحسين
وخادمه، الجميع يسير بلا عناوين أو ألقاب .
وأنت تسير مع الجموع الغفيرة من مدن نائية، تستقبلك جموع من الناس دورها
ليس السير انما إراحتك بكلمات تُخجلك، وتبين لك ما أعطى الله والحسين
لهؤلاء البشر ليكونوا بهذه الكيفية العجيبة !
اثناء السير بالطريق تتعلم أسمى دروس الكرم والعطاء ونكران الذات والعمل
الطوعي والبذل والسخاء والصبر واللين وغيرها من الصفات في مسيرة بلا
مركزية لا تتبناها جهة أو جماعة أو دولة بل ملايين سخرت أنفسها
وممتلكاتها للحسين وزواره .
إستوقفنتي وجوه علامات العوز والفقر بائنة عليها، تجدهم يجودون بما
يملكون رغم قلته، شغفاً وهياماً بالحسين .
أتسائل ماذا فعل الحسين لهؤلاء ؟
دخلت في مُدن هي على طريقي، أجد مدينة برمتها واقفة وعلامات الفرح
والنشوة على محيّا الناس، هل هذا العراق الذي يفتقد لأبسط مقومات العيش
الكريم مقارنة بدول مجاورة وإقليمية ؟
نحن ليس نحن في باقي الايام ؟
بيوت مفتحة لك، أنواع الأطعمة والأشربة ممتدة على طول الطريق .
عبارات الترحيب والمودة واللطف والخضوع تملئ الأمكنة، أينما تولي فثم
خداَم الحسين .
أخجل من بعض الهائمين بالحسين وخدمته، لما يقدمونه من عطاء وجهد، رغم كبر
سن البعض منهم، وترافة البعض الاخر وكأنهم وردٌ مبلل بندى الصباح .
تعلمت من هذا الطريق مالم أتعلمه من أكاديمية أو جامعة أو منتدى أو كتاب أو محدث .
هذا الطريق هو أن تنغمس في بيئة من الكمال والرقي، تطبيق عملي لما قد
تسمعه من نصح وإرث وتاريخ وفضائل .
تتجلى في هذا الطريق معاني عظيمة أنى لي أن أصفها او أُحيط بها .
تتيقن أن الله عز وجل هو يريد ويدير لنا ذلك، ليس كرامة لنا كزائريين
وخدام بل كرامة للمُزار وهو الحسين العظيم (ع) ذاك الذي أعطى لله نفسه
وأضلاعه ورأسه وشيبته وخنصره، ذاك الذي دِيس جسده الطاهر وطُحن بحوافر
الاعوجية، أعطى أبناءه ونساءه وخيامه وكل شيء من أجل الله ودينه .
فالكرامة له والإعجاز الذي نراه رد الجميل من قبل الرب الكريم لعبده
الحسين فنحن في غير أيام الحسين ليس كما نحن ؟
علينا كمجتمع ومختصين ومراكز أبحاث وجامعات دراسة هذة الظاهرة العجيبة،
والتعلم منها في حياتنا وتغيير مجتمعاتنا كما تغيره تلك الزيارة
المليونية .
سلاماً على الحسين وسلاماً على زواره وخدامه وجعلنا الله في عِدادهم
تقي هاشم الخويلدي