بعيدا عن إثبات سندها ، ولا ميلا للتعبد بها معتقدا ، فلا يفصلنا عنها سوى بزوغ هلال ربيع الأول، لنستقبلها مودعين لا سأمين شهري الدموع والأحزان .
إنها( فرحة الزهراء ) اسميها هكذا تماشيا مع الموروث العقائدي الذي تبانى أحباب الزهراء عليه .
أي قلم تراه مطيعا لانامل صاحبه ذاك الذي يكتب عن ما جرى على أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، فلا يكاد يمر يوم من شهري محرم وصفر إلا وفيه غصة ولوعة لحادثة دمعت لها عيون الفاطميات، وكم من نفس ذهبت بها الزفرات أسى على ما لم يذكره التاريخ نسيانا أو خشية من عدم تصديق الأجيال لهول الخطب الفظيع .
ما كنا ضمن الواقفين مع الأنام نرى هلالا. .لرؤيته استهل الجفن دمعا. ..ليس لاننا لا علم لنا بأنها آخر ساعة من اليوم الأخير من شهر ذي الحجة، بل لأننا عاجزون عن تقديم ما يليق بحجم التضحية والمضحي، فلا الأشعار ولا الكلمات ولا الحساء ولا الثريد. ..تفي دمعة طفل واحد من أطفال العصبة العطشى. .ومن نحن وما قدرنا ومن نكون قبالة ذاك الذي قال لسيده إن امي هي التي البستني لامة حربي ؟!
ركننا انفسنا جانبا نتأمل المشهد وقرع طبول المواكب يزيدنا انزواء في خانة الآيسين من المعرفة الحقيقية لقدر أولئك النوادر الذين شهدت لهم عرصات كربلاء المقدسة .
وراح المحرم بعاشره وأتى صفر بعشرينه ولا زلنا متاملين عسا أن نسبر غور هذا المشهد الرهيب، فما كان منا ألا إن نكون لينينمع صغارنا الذي كنا نخشى عليهم عبور الشارع فأذننا لهم بالسفر مع أقرانهم لمئات الكيلومترات بعيدين عنا ..عسى فطرته السليمة تمكنه من الحصول على شرف خدمة ذلك الذي أخلص في كل شيء لله تعالى حتى روي عنه وهو يحمدما حل به ،، هون مانزل بي أنه بعين الله ،،
سارت الركبان مشيا باتجاه محل القداسة ومعنى الحرية وتقاسم أفراد العائلة الزمن وتبادل أرباب الوظائف الأدوار كل منهم يبتغي شرف المسير والفضائيات تنقل والتواشيح تردد ،حتى أصبحت المدينة خالية كأن لم تسكن من قبل .
وقبل حلول الموعد حدثنا انفسنا عساها تطاوعنا لنكون من أولئك الذين صدقوا الحوراء زينب بنت علي في عهدها ونكتب في سجل من أحيا ذكرهم حين قالت للدعي (والله لن تمحو ذكرنا ) .
رغم قناعتنا بصغر ما نحن عليه شعرنا بزهو ونحن نسير ضمن ذلك الحشد المليوني الذي لا نرااه إلا قيامة صغرى والكل يساقون إلى الجنة زمرا .
هذا الزهو منشأه الاعتقاد بأننا حصاة صغيرة تكثر من هذا السواد المتجه صوب من كان ينادي ألا من ناصر .
إنه مشهد تجسدت فيه أجل المعاني السامية التي نادى بها الدين الحنيف، حيث الإيثار ونكران الذات والتواضع وحسن المعاشرة وصدق الحديث والعمل بالفرائض واطعام الطعام والإكثار من ذكر الله .
إنها لوحة إيمانية تثلج قلب الصادق الأمين كونه من أرسى دعائمها في عمق الصحراء حيث عبق الجاهلية والغلظة فلسان حاله يقول الحمد لله الذي أراني ثمرة جهودي بعد الف وأربعمائة سنة والحمد لله الذي جعل من عباده من يرى في أهل بيتي انهم سادات الخلق بعد أن جحدها الاولون وآمن بها هولاء وهم لم يروني .
فما أجمل شكر المعروف حينما تقصد ذلك الشهيد وانت تستحضر مشهدا فيه رسول الله صلى الله عليه و آله اشعثا اغبرا وهو ينادي واولداه واحسيناه .
لا نريد الخوض هنا في عالمية تلك المسيرة وكيف شملت جميع الفئات العمرية من الطفل الرضيع وحتى الشيخ الهرم مرورا بالمعوق والمشلول والاعمى والاصم بقدر ما لفت انتباهنا فئة الشباب المراهقين واليافعين الذين كانوا قمة في التفاني والعطاء .
لقد رأينا من إخلاص تلك الشريحة ما كنا شهودا عليه في أحد المواكب مع ضعف الامكانيات وبعد الاهل إلا أنهم كانوا قد اعدوا برنامجا يجمع ما بين تقديم الخدمات على أحسن وجه للزائرين والالتزام اليومي بإقامة مجالس الحزن على سيد الشهداء عليه واله السلام الذي كان موكبهم على مقربة من مرقده الطاهر .
لقد صادف مبيتنا معهم ليلة الأربعين ، رأينا حزنا من نوع آخر، ودموعا تجملها الفطرة، ولوعة يصدقها الإخلاص .
مع أن الحسين عليه السلام كان عنوانا لتلك الدموع والمجلس عقد بإسمه الشريف، إلا أن العويل والبكاء كان على توديع موسم الخدمة وحالهم كحال الواله الذي عشق خدمة سيد الشهداء وزواره فأصبح يتباهى بها ويتغزل بتلك المعشوقة وكأن العشرين يوما منها لم تدخل الملل على قلوبهم ولا كان للكلل سبيلا لابدانهم النحيلة فكانت صرخاتهم تعلو على فراق الخدمة الذي لا تطاوعهم أيديهم على مغادرة موكبهم المقدس .
عباس البخاتي