عرف المسلمون خطب الجمعة بوصفها عظة أخلاقية ودينية ومعرفية يسوقها الخطيب المفوه ليتحدث للمصلين، ولعامة الناس في أمور دينهم وديناهم، بمقدار صلة ذلك بإيمانهم، ورغبتهم في التواصل بربهم الرحيم، وحاجتهم المستمرة لنفحات الرضا والكرم والرزق الحلال، وتوجيههم الوجهة الصحيحة وفقا لأحكام الشريعة.
تحولت خطبة الجمعة الى وسيلة مثالية لتوجيه الناس الوجهة التي يريدها الحاكم والزعيم ورئيس الدولة، وحتى رجل الدين المتنفذ الذي يرى إن الناس ملزمين بإتباعه لأنه على الطريق القويم، ولاسبيل للخروج من دائرته، فيتحول الى مقدس مصان محمي، ومكمن الخطر ان المسلمين وصلوا الى حال لايسر العارف، ويثير غضب الرب. فهم ينظرون الى بشر مثلهم كمقدسين لايخطئون، ولاينتابهم السهو، ولا التردد، وإن كل أقوالهم وأفعالهم هي الصواب بعينه، ومن يجرؤ على مسهم ولو بكلمة فقد باء بالغضب، وياسواد ليله.
يجدر بنا تسمية الخطبة بالخطة فهي مناسبة لطرح أفكار ورؤى تتعلق بالسياسة والحكم والإمتثال لراي بعينه لابد منه للناس، لأنهم مطالبون بالإنقياد لتوجيهات دنيوية، وليست دينية، تطبعها المحسوبية والمجاملة، وتحقيق المكاسب والمنافع، فتبدو الخطبة خطة لإدارة الأمور بعيدا عن حقيقة الحاجة إليها في إلزام الحكام برعاية مصالح العباد، وكأنها تأمر العباد برعاية مصالح الحكام والمتنفذين.
فالمؤسسات الدينية في الغالب والزعامات الدينية صارت قوى منافسة وصاحبة نفوذ واموال وشركات وعلاقات تربطها المصالح والمطامح وهي تشبه في حالها الراهن حال الكنيسة التي إستعبدت اوربا في عصورة غابرة وحولت الناس الى خدم وعمال سخرة وومملوكين للنبلاء والإقطاعيين الكبار، وصارت خطبة الجمعة واحدة من أدوات تركيع الناس، وحملهم على الطاعة للسلطان الغالب، والتمسك به لأنه ممثل الرب في الأرض.
أخطر مايواجه المسلمين حين يتحول الدين الى أداة لقهرهم وتجهيلهم، وتحويلهم الى عباد لأشخاص، وليس لله.
سقوط الباء من خطبة الجمعة مشكلة نتحمل تبعاتها للآن وفي المستقبل..
هادي جلو مرعي